وأما الحكم بين المظاهر دون الأسماء فهو النبي الذي يحصل نبوته بعد الظهور نيابة عن النبي الحقيقي (2). فالنبي هو المبعوث إلى الخلق ليكون هاديا لهم ومرشدا إلى كمالهم المقدر لهم في الحضرة العلمية باقتضاء استعدادات أعيانهم الثابتة إياه، وهو قد يكون مشرعا كالمرسلين وقد لا يكون كأنبياء بنى إسرائيل. والنبوة البعثة وهي اختصاص إلهي حاصل لعينه الثابتة من التجلي الموجب للأعيان في العلم من الفيض الأقدس. ولما كان كل من الظاهر طالب لهذا المقام الأعظم بحكم التفوق على أبناء جنسه، قرنت النبوة باظهار المعجزات وخوارق العادات مع التحدي (3) ليتميز النبي من المتنبي.
فالأنبياء، صلوات الله عليهم، مظاهر الذات الإلهية من حيث ربوبيتها للمظاهر وعدالتها بينها. فالنبوة مختصة بالظاهر ويشترك كلهم في الدعوة و الهداية والتصرف في الخلق وغيرها مما لا بد منه في النبوة ويمتاز كل منهم عن الآخر في المرتبة بحسب الحيطة التامة كأولي العزم من المرسلين، صلوات الله عليهم أجمعين. وغير التامة كأنبياء بنى إسرائيل. فالنبوة دائرة تامة مشتملة على دواير متناهية متفاوتة في الحيطة. وقد علمت ان الظاهر لا تأخذ التأييد والقوة والقدرة والتصرف والعلوم وجميع ما يفيض من الحق تعالى عليه الا بالباطن وهو مقام الولاية المأخوذة من الولي وهو القرب. والولي بمعنى الحبيب أيضا منه.
فباطن النبوة الولاية، وهي ينقسم بالعامة والخاصة. والأولى تشمل على كل من آمن بالله وعمل صالحا على حسب مراتبهم كما قال الله تعالى: (الله ولى الذين آمنوا...) (4) والثانية، يشمل الواصلين من السالكين فقط عند فنائهم فيه وبقائهم به. فالخاصة عبارة عن فناء العبد في الخلق، فالولي هو الفاني فيه الباقي به. وليس المراد بالفناء هنا انعدام عين العبد مطلقا بل المراد منه فناء جهة البشرية في الجهة الربوبية إذ لكل عبد جهة من الحضرة الإلهية هي المشار إليها بقوله: (ولكل وجهة هو موليها...) (5).
والعبد مبدء لأفعاله وصفاته قبل الاتصاف بمقام الولاية من حيث البشرية وبعد اتصافه بها هو مبدأها من حيث الجهة الربانية كما قال: (فإذا أحببته كنت