شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ١٤٦
وأما الحكم بين المظاهر دون الأسماء فهو النبي الذي يحصل نبوته بعد الظهور نيابة عن النبي الحقيقي (2). فالنبي هو المبعوث إلى الخلق ليكون هاديا لهم ومرشدا إلى كمالهم المقدر لهم في الحضرة العلمية باقتضاء استعدادات أعيانهم الثابتة إياه، وهو قد يكون مشرعا كالمرسلين وقد لا يكون كأنبياء بنى إسرائيل. والنبوة البعثة وهي اختصاص إلهي حاصل لعينه الثابتة من التجلي الموجب للأعيان في العلم من الفيض الأقدس. ولما كان كل من الظاهر طالب لهذا المقام الأعظم بحكم التفوق على أبناء جنسه، قرنت النبوة باظهار المعجزات وخوارق العادات مع التحدي (3) ليتميز النبي من المتنبي.
فالأنبياء، صلوات الله عليهم، مظاهر الذات الإلهية من حيث ربوبيتها للمظاهر وعدالتها بينها. فالنبوة مختصة بالظاهر ويشترك كلهم في الدعوة و الهداية والتصرف في الخلق وغيرها مما لا بد منه في النبوة ويمتاز كل منهم عن الآخر في المرتبة بحسب الحيطة التامة كأولي العزم من المرسلين، صلوات الله عليهم أجمعين. وغير التامة كأنبياء بنى إسرائيل. فالنبوة دائرة تامة مشتملة على دواير متناهية متفاوتة في الحيطة. وقد علمت ان الظاهر لا تأخذ التأييد والقوة والقدرة والتصرف والعلوم وجميع ما يفيض من الحق تعالى عليه الا بالباطن وهو مقام الولاية المأخوذة من الولي وهو القرب. والولي بمعنى الحبيب أيضا منه.
فباطن النبوة الولاية، وهي ينقسم بالعامة والخاصة. والأولى تشمل على كل من آمن بالله وعمل صالحا على حسب مراتبهم كما قال الله تعالى: (الله ولى الذين آمنوا...) (4) والثانية، يشمل الواصلين من السالكين فقط عند فنائهم فيه وبقائهم به. فالخاصة عبارة عن فناء العبد في الخلق، فالولي هو الفاني فيه الباقي به. وليس المراد بالفناء هنا انعدام عين العبد مطلقا بل المراد منه فناء جهة البشرية في الجهة الربوبية إذ لكل عبد جهة من الحضرة الإلهية هي المشار إليها بقوله: (ولكل وجهة هو موليها...) (5).
والعبد مبدء لأفعاله وصفاته قبل الاتصاف بمقام الولاية من حيث البشرية وبعد اتصافه بها هو مبدأها من حيث الجهة الربانية كما قال: (فإذا أحببته كنت

(٢) - ولهذا لا يكون نبوتهم أزليا، وكذا ولايتهم لان نبوتهم تابع لولايتهم ولكن نبوة النبي الحقيقي، عليه السلام، أزلي لأنه (ص) كان نبيا وآدم بين الماء والطين. وأزلية نبوته باعتبار ولايته ولذا كانت ولاية ورثته أيضا أزلية ولذا قال الشيخ العارف المحقق مولانا عبد الرزاق الكاشاني في المصطلحات: (الخاتم هو الذي قطع المقامات بأسرها وبلغ نهاية الكمال والبالغ إلى نهاية الكمال واحد لا يقبل التعدد وخاتم النبوة هو الذي ختم الله به النبوة ولا يكون الا واحدا، وهو نبينا (ص). وكذا خاتم الولاية على الاطلاق وهو أيضا لا يتعدد، وهو الذي يبلغ به صلاح الدنيا والآخرة نهاية الكمال ويختل بموته النظام وهو المهدى الموعود، عليه السلام). الخاتم لجميع مراتب الولاية ودرجات الإلهية ولذا قال على، عليه السلام، (لو لا الحجة لساخت الأرض باهلها). ومن لم يعرف هذا الولي الكامل المكمل مات ميتة جاهلية. وما قال الشارح العلامة ان الولاية ينختم بالعيسى و هو الخاتم للولاية المطلقة في هذا الشرح، مناف لما ذكره في رسالة النبوة والولاية. أو كلامه محمول على التقية أو العصبية الجاهلية. وقد حقق المقام خاتم العرفا، آقا محمد رضا القمشي، في تعاليقه على الفص الشيثي. (ج) (3) - قال صاحب البلغة: التحدي عبارة عن دعوى يعجز عنه الأغلب على رؤس الاشهاد لا في نفسه والا لا يكون صحيحة.
(4) - أي، متولي أمورهم ومحبتهم حيث يخرجهم من ظلمات صفات النفس إلى أنوار الروح.
(5) - أي، ولكل أحد منكم غاية وكمال بحسب استعداده الأول، الله موجه وجهه إليها أو هو نفسه موجه نفسه إليها ويتوجه نحوها بمقتضى هويته واستعداده باذن الله، تعالى.
(تفسير الشيخ)
(١٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 139 141 142 143 145 146 147 148 149 153 155 ... » »»