شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ١٤٨
غير واصل في الحقيقة لكونه في حجاب العلم والشهود. وانما يتجلى الحق لمن انمحى رسمه وزال عنه اسمه. ولما كانت المراتب متميزة، قسم أرباب هذه الطريقة المقامات الكلية إلى علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين. فعلم اليقين تصور الامر على ما هو عليه، وعين اليقين شهوده كما هو، وحق اليقين بالفناء في الحق والبقاء به علما وشهودا وكمالا وحالا، لا علما فقط. ولا نهاية لكمال الولاية فمراتب الأولياء غير متناهية. ولما كان بعض المراتب أقرب من البعض في النبوة والولاية، ذكر الشيخ، رحمه الله، الأنبياء المذكورين في هذا الكتاب حسب مراتبهم لا بالتقدم والتأخر الزماني. ولما كان المبعوث إلى الخلق تارة من غير تشريع وكتاب منه سبحانه، انقسم النبي إلى المرسل وغيره.
فالمرسلون أعلى مرتبة من غيرهم لجمعهم بين المراتب الثلاث: الولاية والنبوة والرسالة. ثم الأنبياء لجمعهم بين المرتبتين: الولاية والنبوة، وان كانت مرتبة ولايتهم أعلى من نبوتهم ونبوتهم أعلى من رسالتهم (8) لان ولايتهم جهة حقيتهم لفنائهم فيه ونبوتهم جهة ملكيتهم إذ بها يحصل المناسبة لعالم الملائكة فيأخذون الوحي منهم، ورسالتهم جهة بشريتهم المناسبة للعالم الانساني.
وإليه أشار الشيخ، رضى الله عنه، بقوله: مقام النبوة في برزخ دوين الولي و فوق الرسول، أي النبوة دون الولاية التي لهم وفوق الرسالة.
تتميم لا بد ان تعلم ان العادة متعلقة بالتقدير الأزلي الواقع في الحضرة العلمية الجاري على سنة الله، وخرق العادة يتعلق بذلك، لكن لا على السنة (9) بل اظهارا للقدرة. وهو قد يصدر من الأولياء فيسمى كرامة، وقد يصدر من أصحاب النفوس القوية (10) من أصل الفطرة وان لم يكونوا أولياء وهم على قسمين: اما خير بالطبع أو شرير. والأول ان وصل إلى مقام الولاية فهو ولى، وان لم يصل فهو من الصلحاء والمؤمنين المفلحين. والثاني خبيث ساحر. ولكل منهما التصرف في العالم. وهؤلاء ان ساعدتهم الأسباب الخارجية استولوا على أهل العالم وصار

(٨) - قال بعض العرفاء، الفرق بين الرسول والنبي هو ان الرسول باعتبار تبليغ الاحكام: (يا أيها الرسول بلغ)، والنبوة باعتبار الاخبار عن المعارف والحقايق التي تتعلق بتفاصيل الصفات والافعال. فان النبوة ظاهر الولاية التي هي الاستغراق في عين الجمع والفناء في الذات فعلمها علم توحيد الذات ومحو الافعال والصفات. فكل رسول نبي، و كل نبي ولى، ليس كل ولى نبيا، ولا كل نبي مرسلا، وان كانت رتبة الولاية أشرف من النبوة والنبوة من الرسالة كما قيل: مقام النبوة في برزخ دوين الولي وفوق الرسول.
فلا يرسل الرسول الا للإطاعة إذ حكمه حكم الله باعتبار التبليغ فيجب ان يطاع ولا يطاع الا باذنه فان من حجب عنه لقصور الاستعداد، كالكافر الأصلي والشقي الحقيقي، أو بالرين ومحو الاستعداد، كالمنافق، ليس بمأذون له في الطاعة في الحقيقة. 12 (9) - حتى يرد: (ولن تجد لسنة الله تبديلا)، والحاصل ان عادة الله لا يتغير الا لاظهار القدرة، كذا قيل. 12 (10) - وفي الكافي: سادة النبيين المرسلين خمسة، وهم أولوا العزم من الرسل وعليهم دار الرحى: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد، عليهم السلام. السادة جمع السيد، والعزم هو الإرادة الجازمة من القاصد لفعل التي لا يتخلف الفعل عنه الا لمانع، وأولوا العزم من الرسول سموا بذلك لما فيهم من العزم التام على دعوة الحق إلى طريق الحق والمجاهدة مع الله وثبات القدم في الحروب والصبر على الشدائد.
(١٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 142 143 145 146 147 148 149 153 155 156 157 ... » »»