تفسير البغوي - البغوي - ج ٢ - الصفحة ٢٣١
والسدي أقبل أبو سفيان من الشام في عير لقريش في أربعين راكبا من كفار قريش فيهم عمرو بن العاص ومخرمة بن نوفل الزهري وفيها تجارة كثيرة وهي اللطيمة حتى إذا كانوا قريبا من بدر فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فندب أصحابه إليه وأخبرهم بكثرة المال وقلة العدد وقال هذه عير قريش فيها أموالكم فأخرجوا إليها لعل الله تعالى أن ينفلكموها فانتدب الناس فخف بعضهم وثقل بعضهم وذلك أنهم لم يظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقى حربا فلما سمع أبو سقيان بمسير النبي وسلم استأجر ضمضم بن عمرو الغفاري فبعثه إلى مكة وأمره أن يأتي قريشا فيستنفرهم ويخبرهم أن محمدا قد عرض لعيرهم في أصحابه فخرج ضمضم سريعا إلى مكة وقد رأت عاتكة بنت عبد المطلب قبل قدوم ضمضم مكة بثلاث ليال رؤيا افزعتها فبعثت إلى أخيها العباس بن عبد المطلب فقالت له يا أخي والله لقد رأيت الليلة رؤيا أفزعتني وخشيت أن يدخل على قومك منها شر ومصيبة فاكتم علي ما أحدثك قال لها وما رأيت قالت رأيت راكبا اقبل على بعير له حتى وقف بالأبطح ثم صرخ بأعلى صوته ألا انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث فأرى الناس قد اجتمعوا إليه ثم دخل المسجد والناس يتبعونه فبينما هم حوله مثل بعيره على ظهر الكعبة ثم صرخ بمثلها بأعلى صوته إلا انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث ثم مثل به بعيره على رأس أبي قبيس فصرخ بمثلها ثم أخذ صخرة فأرسلها فأقبلت تهوي حتى إذا كانت بأسفل الجبل ارفضت فما بقي بيت من بيوت مكة ولا دار من دورها إلا دخلتها منها فلقة فقال العباس والله إن هذه لرؤيا رأيت فاكتميها ولا تذكريها لأحد ثم خرج العباس فلقي الوليد بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس وكان له صديقا فذكرها له واستكتمه إياها فذكرها الوليد لأبيه عتبة ففشا الحديث حتى تحدثت به قريش قال العباس فغدوت أطوف بالبيت وأبو جهل بن هشام في رهط من قريش قعود يتحدثون برؤيا عاتكة فلما رآني أبو جهل قال يا أبا الفضل إذا فرغت من طوافك فأقبل إلينا قال فلما فرغت أقبلت حتى جلست معهم فقال لي أبو جهل يا بني عبد المطلب متى حدثت هذه البينة فيكم قلت وما ذاك قال الرؤيا التي رأت عاتكة قلت وما رأت قال يا بني عبد المطلب أما رضيتم أن تتنبأ رجالكم حتى تتنبأ نساؤكم قد زعمت عاتكة في رؤياها أنه قال انفروا في ثلاث فسنتربص بكم هذه الثلاث فإن يك ما قالت حقا فسيكون وإن تمض الثلاث ولم يكن من ذلك شئ نكتب عليكم كتابا إنكم أكذب أهل بيت في العرب فقال العباس والله ما كان مني إليه كبير إلا أني جحدت ذلك وأنكرت أن تكون رأت شيئا ثم تفرقنا فلما أمسيت لم تبق امرأة من بني عبد المطلب إلا أتتني فقالت أقررتم لهذا الفاسق الخبيث أن يقع في رجالكم ثم قد تناول النساء وأنت تسمع ثم لم تكن عندك غيرة لشيء مما سمعت قال قلت والله قد فعلت ما كان مني إليه من كبير وأيم الله لأتعرضن له فإن عاد لأكفينكه قال فغدوت في اليوم الثالث من رؤيا عاتكة وأنا حديد مغضب أرى أن قد فاتني منه أمر أحب ان أدركه منه قال فدخلت المسجد فرأيته فوالله إني لأمشي نحوه أتعرضه ليعود لبعض ما قال فادفع به وكان رجلا خفيفا حديد الوجه حديد اللسان حديد النظر إذا خرج نحو باب المسجد يشتد قال قلت في نفسي ما له لعنه الله أكل هذا فرقا مني أن أشاتمه قال فإذا هو قد سمع ما لم أسمع صوت ضمضم بن عمرو وهو يصرخ ببطن الوادي واقفا
(٢٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 226 227 228 229 230 231 232 233 234 235 236 ... » »»