تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٨ - الصفحة ٣٢٣
قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم) إلى آخر الآية المراد بالظن المأمور بالاجتناب عنه ظن السوء فإن ظن الخير مندوب إليه كما يستفاد من قوله تعالى: (لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا) النور: 12.
والمراد بالاجتناب عن الظن الاجتناب عن ترتيب الأثر عليه كأن يظن بأخيه المؤمن سوء فيرميه به ويذكره لغيره ويرتب عليه سائر آثاره، وأما نفس الظن بما هو نوع من الادراك النفساني فهو أمر يفاجئ النفس لا عن اختيار فلا يتعلق به النهي اللهم إلا إذا كان بعض مقدماته اختياريا.
وعلى هذا فكون بعض الظن إثما من حيث كون ما يترتب عليه من الأثر إثما كإهانة المظنون به وقذفه وغير ذلك من الآثار السيئة المحرمة، والمراد بكثير من الظن - وقد جيئ به نكرة ليدل على كثرته في نفسه لا بالقياس إلى سائر أفراد الظن - هو بعض الظن الذي هو إثم فهو كثير في نفسه وبعض من مطلق الظن، ولو أريد بكثير من الظن أعم من ذلك كأن يراد ما يعلم أن فيه إثما وما لا يعلم منه ذلك كان الامر بالاجتناب عنه أمرا احتياطيا توقيا من الوقوع في الاثم.
وقوله: (ولا تجسسوا) التجسس بالجيم تتبع ما استتر من أمور الناس للاطلاع عليها، ومثله التحسس بالحاء المهملة إلا أن التجسس بالجيم يستعمل في الشر والتحسس بالحاء يستعمل في الخير، ولذا قيل: معنى الآية لا تتبعوا عيوب المسلمين لتهتكوا الأمور التي سترها أهلها.
وقوله: (ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه) الغيبة على ما في مجمع البيان ذكر العيب بظهر الغيب على وجه يمنع الحكمة منه، وقد فسرت بتفاسير مختلفة حسب الاختلاف في مصاديقها سعة وضيقا في الفقه، ويؤل إلى أن يذكر من الانسان في ظهر الغيب ما يسوؤه لو ذكر به ولذا لم يعدوا من الغيبة ذكر المتجاهر بالفسق بما تجاهر به.
والغيبة تفسد أجزاء المجتمع واحدا بعد واحد فتسقطها عن صلاحية التأثير الصالح المرجو من الاجتماع وهو أن يخالط كل صاحبه ويمازجه في أمن وسلامة بأن
(٣٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 318 319 320 321 322 323 324 325 326 327 328 ... » »»
الفهرست