تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٨ - الصفحة ٣٢٤
يعرفه إنسانا عدلا سويا يأنس به ولا يكرهه ولا يستقذره، وأما إذا عرفه بما يكرهه ويعيبه به انقطع عنه بمقدار ذلك وضعفت رابطة الاجتماع فهي كالآكلة التي تأكل جثمان من ابتلي بها عضوا بعد عضو حتى تنتهي إلى بطلان الحياة.
والانسان إنما يعقد المجتمع ليعيش فيه بهوية اجتماعية أعني بمنزلة اجتماعية صالحة لان يخالطه ويمازج فيفيد ويستفاد منه، وغيبته بذكر عيبه لغيره تسقطه عن هذه المنزلة وتبطل منه هذه الهوية، وفيه تنقيص واحد من عدد المجتمع الصالح ولا يزال ينتقص بشيوع الغيبة حتى يأتي على آخره فيتبدل الصلاح فسادا ويذهب الانس والامن والاعتماد وينقلب الدواء داء.
فهي في الحقيقة إبطال هوية اجتماعية على حين غفلة من صاحبها ومن حيث لا يشعر به، ولو علم بذلك على ما فيه من المخاطرة لتحرز منه وتوقى انهتاك ستره وهو الستر ألقاه الله سبحانه على عيوب الانسان ونواقصه ليتم به ما أراده من طريق الفطرة من تألف أفراد الانسان وتجمعهم وتعاونهم وتعاضدهم، وأين الانسان والنزاهة من كل عيب.
وإلى هذه الحقيقة أشار تعالى فيما ذكره من التمثيل بقوله: (أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه) وقد أتى بالاستفهام الانكاري ونسب الحب المنفي إلى أحدهم ولم يقل: بعضكم ونحو ذلك ليكون النفي أوضح استيعابا وشمولا ولذا أكده بقوله بعد: (فكرهتموه) فنسب الكراهة إلى الجميع ولم يقل: فكرهه.
وبالجملة محصله أن اغتياب المؤمن بمنزلة أن يأكل الانسان لحم أخيه حال كونه ميتا، وإنما كان لحم أخيه لأنه من أفراد المجتمع الاسلامي المؤلف من المؤمنين وإنما المؤمنون إخوة، وإنما كان ميتا لأنه لغيبته غافل لا يشعر بما يقال فيه.
وفي قوله: (فكرهتموه) ولم يقل: فتكرهونه إشعار بأن الكراهة أمر ثابت محقق منكم في أن تأكلوا إنسانا هو أخوكم وهو ميت فكما أن هذا مكروه لكم فليكن مكروها لكم اغتياب أخيكم المؤمن بظهر الغيب فإنه في معنى أكل أحدكم أخاه ميتا.
واعلم أن ما في قوله: (أيحب أحدكم أن يأكل) الخ، من التعليل جار في
(٣٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 319 320 321 322 323 324 325 326 327 328 329 ... » »»
الفهرست