تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٨ - الصفحة ٣٢٨
غايات يتوجهون إليها ويتباهون بها كالغنى والرئاسة والجمال وانتشار الصيت وكذا الأنساب وغيرها.
وقوله: (إن الله عليم خبير) فيه تأكيد لمضمون الآية وتلويح إلى أن الذي اختاره الله كرامة للناس كرامة حقيقية اختارها الله بعلمه وخبرته بخلاف ما اختاره الناس كرامة وشرفا لأنفسهم فإنها وهمية باطلة فإنها جميعا من زينة الحياة الدنيا قال تعالى: (وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون) العنكبوت: 64.
وفي الآية دلالة على أن من الواجب على الناس أن يتبعوا في غايات الحياة أمر ربهم ويختاروا ما يختاره ويهدي إليه وقد اختار لهم التقوى كما أن من الواجب عليهم أن يختاروا من سنن الحياة ما يختاره لهم من الدين.
قوله تعالى: (قالت الاعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الايمان في قلوبكم) الخ الآية وما يليها إلى آخر السورة متعرضة لحال الاعراب في دعواهم الايمان ومنهم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بإيمانهم، وسياق نقل قولهم وأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يجيبهم بقوله: (لم تؤمنوا) يدل على أن المراد بالأعراب بعض الاعراب البادين دون جميعهم، ويؤيده قوله: (ومن الاعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر) التوبة: 99.
وقوله: (قالت الاعراب آمنا قل لم تؤمنوا) أي قالوا لك آمنا وادعوا الايمان قل لم تؤمنوا وكذبهم في دعواهم، وقوله: (ولكن قولوا أسلمنا) استدراك مما يدل عليه سابق الكلام، والتقدير: فلا تقولوا آمنا ولكن قولوا: أسلمنا.
وقوله: (ولما يدخل الايمان في قلوبكم) لنفي دخول الايمان في قلوبهم مع انتظار دخوله، ولذلك لم يكن تكرارا لنفي الايمان المدلول عليه بقوله: (لم تؤمنوا).
وقد نفي في الآية الايمان عنهم وأوضحه بأنه لم يدخل في قلوبهم بعد وأثبت لهم الاسلام، ويظهر به الفرق بين الايمان والاسلام بأن الايمان معنى قائم بالقلب من قبيل الاعتقاد، والاسلام أمر قائم باللسان والجوارح فإنه الاستسلام والخضوع لسانا بالشهادة على التوحيد والنبوة وعملا بالمتابعة العملية ظاهرا سواء قارن الاعتقاد بحقية
(٣٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 323 324 325 326 327 328 329 330 331 332 333 ... » »»
الفهرست