تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ١٩٧
وثانيا: أن لازم توجيهه أن يكون قوله تعالى: وكذلك سولت لي نفسي " إشارة إلى سبب عمل العجل وجوابا عن مسألة موسى " ما خطبك "؟ ومحصله أنه إنما سواه لتسويل من نفسه أن يضل الناس فيكون مدلول صدر الآية أنه لم يكن موحدا ومدلول ذيلها أنه لم يكن وثنيا فلا موحد ولا وثني مع أن المحكي من قول موسى بعد:
" وأنظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه " الخ أنه كان وثنيا.
وثالثا: أن التعبير عن موسى وهو مخاطب بلفظ الغائب بعيد.
ويمكن أن يتصور للآية معنى آخر بناء على ما ذكره بعضهم أن أوزار الزينة التي حملوها كانت حلي ذهب من القبط أمرهم موسى أن يحملوها وكانت لموسى أو منسوبة إليه وهو المراد بأثر الرسول فالسامري يصف ما صنعه بأنه كان ذا بصيرة في أمر الصباغة والتقليب يحسن من صنعة التماثيل ما لا علم للقوم به فسولت له نفسه أن يعمل لهم تمثال عجل من ذهب فأخذ وقبض قبضة من أثر الرسول وهو الحلي من الذهب فنبذها وطرحها في النار وأخرج لهم عجلا جسدا له خوار، وكان خواره لدخول الهواء في فراغ جوفه وخروجه من فيه على ضغطة بتعبئة صناعية هذا.
ويبقى الكلام على التعبير عن موسى وهو يخاطبه بالرسول، وعلى تسمية حلي القوم أثر الرسول، وعلى تسمية عمل العجل وكان يعبده تسويلا نفسانيا.
قوله تعالى: " قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس وإن لك موعدا لن تخلفه " هذه مجازاة له من موسى عليه السلام بعد ثبوت الجرم.
فقوله: " قال فاذهب " قضاء بطرده عن المجتمع بحيث لا يخالط القوم ولا يمس أحدا ولا يمسه أحد بأخذ أو عطاء أو إيواء أو صحبة أو تكليم وغير ذلك من مظاهر الاجتماع الانساني وهو من أشق أنواع العذاب، وقوله: " فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس " - ومحصله أنه تقرر وحق عليك أن تعيش فردا ما دمت حيا - كناية عن تحسره المداوم من الوحدة والوحشة.
وقيل: إنه دعاء من موسى عليه وأنه ابتلي إثر دعائه بمرض عقام لا يقترب منه أحد إلا حمي حمي شديدة فكان يقول لمن اقترب منه: لا مساس، لا مساس، وقيل:
ابتلي بوسواس فكان يتوحش ويفر من كل من يلقاه وينادي لا مساس، وهو وجه حسن لو صح الخبر.
(١٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 202 ... » »»
الفهرست