الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٧٥
بعضكم على بعض كذلك يبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم. وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم كذلك يبين الله لكم آياته والله عليم حكيم.
____________________
الامر بالاستئذان في كل وقت لادى إلى الحرج. وروى أن مدلج بن عمرو وكان غلاما أنصاريا أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت الظهر إلى عمر ليدعوه، فدخل عليه وهو نائم وقد انكشف عنه ثوبه، فقال عمر: لوددت أن الله عزو جل نهى آباءنا وأبناءنا وخدمنا أن لا يدخلوا علينا هذه الساعات إلا بإذن، ثم انطلق معه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوجده وقد أنزلت عليه هذه الآية، وهى إحدى الآيات المنزلة بسبب عمر رضى الله تعالى عنه.
وقيل نزلت في أسماء بنت أبي مرشد قالت: إنا لندخل على الرجل والمرأة ولعلهما يكونان في لحاف واحد. وقيل دخل عليها غلام لها كبير في وقت كرهت دخوله، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن خدمنا وغلماننا يدخلون علينا في حال نكرهها. وعن أبي عمرو الحلم بالسكون. وقرئ ثلاث عورات بالنصب بدلا عن ثلاث مرات: أي أوقات ثلاث عورات. وعن الأعمش عورات على لغة هذيل. فإن قلت: ما محل ليس عليكم؟
قلت: إذا رفعت ثلاث عورات كان ذلك في محل الرفع على الوصف والمعنى: هن ثلاث عورات مخصوصة بالاستئذان، وإذا نصبت لم يكن له محل وكان كلاما مقررا للامر بالاستئذان في تلك الأحوال خاصة. فإن قلت:
بم ارتفع (بعضكم)؟ قلت: بالابتداء وخبره (على بعض) على معنى طائف على بعض، وحذف لان طوافون يدل عليه، ويجوز أن يرتفع بيطوف مضمرا لتلك الدلالة (الأطفال منكم) أي من الأحرار دون المماليك (الذين من قبلهم) يريد الذين بلغوا الحلم من قبلهم وهم الرجال، أو الذين ذكروا من قبلهم في قوله - يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا - الآية، والمعنى أن الأطفال مأذون لهم في الدخول بغير إذن إلا في العورات الثلاث، فإذا اعتاد الأطفال ذلك ثم خرجوا عن حد الطفولة بأن يحتلموا أو يبلغوا السن التي يحكم فيها عليهم بالبلوغ وجب أن يفطموا عن تلك العادة ويحملوا على أن يستأذنوا في جميع الأوقات كما الرجال الكبار الذين لم يعتادوا الدخول عليكم إلا بإذن، وهذا مما الناس منه في غفلة، وهو عندهم كالشريعة المنسوخة. وعن ابن عباس: آية لا يؤمن بما أكثر الناس آية الاذن، وإني لأمر جارتي أن تستأذن على. وسأله عطاء أأستأذن على أختي؟
قال نعم وإن كانت في حجرك تمونها، وتلا هذه الآية. وعنه ثلاث آيات جحدهن الناس الاذن كله، وقوله - إن أكرمكم عند الله أتقاكم - فقال ناس: أعظمكم بيتا، وقوله - وإذا حضر القسمة - وعن ابن مسعود: عليكم أن تستأذنوا على آبائكم وأمهاتكم وأخواتكم وعن الشعبي: ليست منسوخة، فقيل له: إن الناس لا يعملون بها، فقال الله المستعان. وعن سعيد بن جبير: يقولون هي منسوخة، ولا والله ما هي منسوخة ولكن الناس تهاونوا بها فإن قلت: ما السن التي يحكم فيها بالبلوغ؟ قلت: قال أبو حنيفة: ثماني عشرة سنة في الغلام، وسبع عشرة في الجارية، وعامة العلماء على خمس عشرة فيهما. وعن علي رضي الله عنه أنه كان يعتبر القامة ويقدره بخمسة أشبار، وبه أخذ الفرزدق في قوله:
ما زال مذ عقدت يداه إزاره * فسما فأدرك خمسة الأشبار
(٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 ... » »»