الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٧٣
ويتقه فأولئك هم الفائزون. وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجن قل لا تقسموا طاعة معروفة إن الله خبير بما تعملون. قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين. وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في
____________________
(ويتقه) فيما يستقبل. وعن بعض الملوك أنه سأل عن آية كافية فتليت له هذه الآية. جهد يمينه مستعار من جهد نفسه إذا بلغ أقصى وسعها وذلك إذا بالغ في اليمين وبلغ غاية شدتها ووكادتها. وعن ابن عباس رضي الله عنه:
من قال بالله فقد جهد يمينه. وأصل أقسم جهد اليمين: أقسم يجهد اليمين جهدا، فحذف الفعل وقدم المصدر فوضع موضعه مضافا إلى المفعول كقوله - فضرب الرقاب -، وحكم هذا المنصوب حكم الحال كأنه قال: جاهدين أيمانهم و (طاعة معروفة) خبر مبتدأ محذوف، أو مبتدأ محذوف الخبر: أي أمركم والذي يطلب منكم طاعة معروفة معلومة لا يشك فيها ولا يرتاب، كطاعة الخلص من المؤمنين الذين طابق باطن أمرهم ظاهره، لا أيمان تقسمون بها بأفواهكم وقلوبكم على خلافها، أو طاعتكم طاعة معروفة بأنها بالقول دون الفعل، أو طاعة معروفة أمثل وأولى بكم من هذه الايمان الكاذبة، وقرأ اليزيدي طاعة معروفة بالنصب على معنى أطيعوا طاعة (إن الله خبير) يعلم ما في ضمائركم ولا يخفى عليه شئ من سرائركم وإنه فاضحكم لا محالة ومجازيكم على نفاقكم. صرف الكلام عن الغيبة إلى الخطاب على طريقة الالتفات وهو أبلغ في تبكيتهم. يريد فإن تتولوا فما ضررتموه وإنما ضررتم أنفسكم، فإن الرسول ليس عليه إلا ما حمله الله وكلفه من أداء الرسالة، فإذا أدى فقد خرج عن عهدة تكليفه، وأما أنتم فعليكم ما كلفتم من التلقي بالقبول والاذعان، فإن لم تفعلوا وتوليتم فقد عرضتكم نفوسكم لسخط الله وعذابه، وإن أطعتموه فقد أحرزتم نصيبكم من الخروج عن الضلالة إلى الهدى، فالنفع والضرر عائدان إليكم، وما الرسول إلا ناصح وهاد وما عليه إلا أن يبلغ ماله نفع في قبولكم ولا عليه ضرر في توليكم. والبلاغ بمعنى التبليغ كالأداء بمعنى التأدية. ومعنى المبين كونه مقرونا بالآيات والمعجزات. الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولمن معه، ومنكم للبيان كالتي في آخر سورة الفتح. وعدهم الله أن ينصر الاسلام على الكفر ويورثهم الأرض ويجعلهم فيها خلفاء كما فعل ببنى إسرائيل حين أورثهم مصر والشأم بعد إهلاك الجبابرة، وأن يمكن الدين المرتضى وهو دين الاسلام، وتمكينه تثبيته وتوطيده، وأن يؤمن سربهم ويزيل عنهم الخوف الذي كانوا عليه، وذلك أن النبي صلى الله عيه وسلم وأصحابه مكثوا بمكة عشر سنين خائفين، ولما هاجروا كانوا بالمدينة يصبحون في السلاح ويمسون فيه حتى قال رجل: ما يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع السلاح، فقال صلى الله عليه وسلم: لا تغبرون إلا يسيرا حتى يجلس الرجل منكم في الملا العظيم محتبيا ليس معه حديدة، فأنجز الله وعده وأظهرهم على جزيرة العرب وافتتحوا بعد بلاد المشرق والمغرب ومزقوا ملك الأكاسرة وملكوا خزائنهم واستولوا على الدنيا ثم خرج الذين على خلاف سيرتهم فكفروا بتلك الأنعام وفسقوا، وذلك قوله صلى الله عليه وسلم " الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم يملك الله من يشاء فتصير ملكا، ثم تصير بزيزى قطع سبيل وسفك دماء وأخذ أموال بغير حقها " وقرئ كما استخلف على البناء للمفعول وليبدلنهم بالتشديد. فإن قلت: أين القسم المتلقى باللام والنون في (ليستخلفنهم)
(٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 ... » »»