____________________
والثالثة في قوله: من السماء، من جبال، من برد؟ قلت: الأولى لابتداء الغاية والثانية للتبعيض والثالثة للبيان، أو الأوليان للابتداء والآخرة للتبعيض، ومعناه: أنه ينزل البرد من السماء من جبال فيها، وعلى الأول مفعول ينزل من جبال. فإن قلت: ما معنى من جبال فيها من برد؟ قلت: فيه معنيان: أحدهما أن يخلق الله في السماء جبال برد كما خلق في الأرض جبال حجر، والثاني أن يريد الكثرة بذكر الجبال كما يقال فلان يملك جبالا من ذهب. وقرئ خالق كل دابة، ولما كان اسم الدابة موقعا على المميز وغير المميز غلب المميز فأعطى ما وراءه حكمه كأن الدواب كلهم مميزون فمن ثمة قيل فمنهم. وقيل من يمشى في الماشي على بطن والماشي على أربع قوائم. فإن قلت: لم نكر الماء في قوله (من ماء)؟ قلت: لان المعنى أنه خلق كل دابة من نوع من الماء مختص بتلك الدابة، أو خلقها من ماء مخصوص وهو النطفة، ثم خالف بين المخلوقات من النطفة فمنها هوام ومنها بهائم ومنها ناس، ونحوه قوله تعالى - يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الاكل - فإن قلت: فما باله معرفا في قوله وجعلنا من الماء كل شئ حي - قلت: قصد ثمة معنى آخر، وهو أن أجناس الحيوان كلها مخلوقة من هذا الجنس الذي هو جنس الماء وذلك أنه هو الأصل وإن تخللت بينه وبينها وسائط. قالوا: خلق الملائكة من ريح خلقها من الماء، والجن من نار خلقها منه، وآدم من تراب خلقه منه. فإن قلت: لم جاءت الأجناس الثلاثة على هذا الترتيب؟ قلت: قدم ما هو أعرق في القدرة وهو الماشي بغير آلة مشى من أرجل أو قوائم ثم الماشي على رجلين ثم الماشي على أربع.
فإن قلت: لم سمى الزحف على البطن مشيا؟ قلت: على سبيل الاستعارة، كما قالوا في الامر المستمر: قد مشى هذا الامر، ويقال فلان لا يتمشى له أمر، ونحوه استعارة الشفة مكان الجحفلة والمشفر مكان الشفة ونحو ذلك، أو على طريق المشاكلة لذكر الزاحف مع الماشين (وما أولئك بالمؤمنين) إشارة إلى القائلين آمنا وأطعنا، أو إلى
فإن قلت: لم سمى الزحف على البطن مشيا؟ قلت: على سبيل الاستعارة، كما قالوا في الامر المستمر: قد مشى هذا الامر، ويقال فلان لا يتمشى له أمر، ونحوه استعارة الشفة مكان الجحفلة والمشفر مكان الشفة ونحو ذلك، أو على طريق المشاكلة لذكر الزاحف مع الماشين (وما أولئك بالمؤمنين) إشارة إلى القائلين آمنا وأطعنا، أو إلى