ألم تر أن الله يزجى سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالابصار.
____________________
خدعه من بعيد شيئا ولم يكفه خيبة وكمدا أن لم يجد شيئا كغيره من السراب (1) حتى وجد عنده الزبانية تعتله إلى النار ولا يقتل ظمأه بالماء، وشبهها ثانيا في ظلمتها وسوادها لكونها باطلة وفي خلوها عن نور الحق بظلمات متراكمة من لج البحر والأمواج والسحاب. ثم قال: ومن لم يوله نور توفيقه وعصمته ولطفه فهو في ظلمة الباطل لانور له، وهذا الكلام مجراه مجرى الكنايات، لان الألطاف إنما تردف الايمان والعمل أو كونهما مترقبين، ألا ترى إلى قوله - والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا - وقوله - ويضل الله الظالمين - وقرئ سحاب ظلمات على الإضافة، وسحاب ظلمات برفع سحاب وتنوينه وجر ظلمات بدلا من ظلمات الأولى (صافات) يصففن أجنحتهن في الهواء.
والضمير في (علم) لكل أو لله وكذلك في (صلاته وتسبيحه) والصلاة الدعاء ولا يبعد أن يلهم الله الطير دعاءه وتسبيحه كما ألهمها سائر العلوم الدقيقة التي لا يكاد العقلاء يهتدون إليها (يزجى) يسوق، ومنه البضاعة المزجاة التي يزجيها كل أحد لا يرضاها. والسحاب يكون واحدا كالعماء وجمعا كالرباب، ومعنى تأليف الواحد أنه يكون قزعا فيضم بعضه إلى بعض وجاز بينه وهو واحد لان المعنى بين أجزائه كما قيل في قوله:
* بين الدخول فحومل * والركام المتراكم بعضه فوق بعض. والودق: المطر (من خلاله) من فتوقه ومخارجه جمع خلل كجبال في جبل. وقرئ من خلله (وينزل) بالتشديد. ويكاد سنا على الادغام. وبرقه جمع برقة وهى المقدار من البرق كالغرفة واللقمة وبرقة بضمتين للاتباع كما قيل في جمع فعلة فعلات كظلمات وسناء برقه على المد، المقصور بمعنى الضوء، والممدود بمعنى العلو والارتفاع من قولك سنى للمرتفع. و (يذهب بالابصار) على زيادة الباء كقوله - ولا تلقوا بأيديكم - عن أبي جعفر المدني وهذا من تعديد الدلائل على ربوبيته وظهور أمره حيث ذكر تسبيح من في السماوات والأرض وكل ما يطير بين السماء والأرض ودعاءهم له وابتهالهم إليه، وأنه سخر السحاب التسخير الذي وصفه وما يحدث فيه من أفعاله حتى ينزل المطر منه، وأنه يقسم رحمته بين خلقه ويقبضها ويبسطها على ما تقتضيه حكمته، ويريهم البرق في السحاب الذي يكاد يخطف أبصارهم ليعتبروا ويحذروا، ويعاقب بين الليل والنهار ويخالف بينهما بالطول والقصر، وما هذه إلا براهين في غاية الوضوح على وجوده وثباته ودلائل منادية على صفائه لمن نظر وفكر وتبصر وتدبر. فإن قلت: متى رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسبيح من في السماوات ودعاءهم، وتسبيح الطير ودعاءه، وتنزيل المطر من جبال برد في السماء حتى قيل له:
ألم تر؟ قلت: علمه من جهة إخبار الله إياه بذلك على طريق الوحي. فإن قلت: ما الفرق بين من الأولى والثانية
والضمير في (علم) لكل أو لله وكذلك في (صلاته وتسبيحه) والصلاة الدعاء ولا يبعد أن يلهم الله الطير دعاءه وتسبيحه كما ألهمها سائر العلوم الدقيقة التي لا يكاد العقلاء يهتدون إليها (يزجى) يسوق، ومنه البضاعة المزجاة التي يزجيها كل أحد لا يرضاها. والسحاب يكون واحدا كالعماء وجمعا كالرباب، ومعنى تأليف الواحد أنه يكون قزعا فيضم بعضه إلى بعض وجاز بينه وهو واحد لان المعنى بين أجزائه كما قيل في قوله:
* بين الدخول فحومل * والركام المتراكم بعضه فوق بعض. والودق: المطر (من خلاله) من فتوقه ومخارجه جمع خلل كجبال في جبل. وقرئ من خلله (وينزل) بالتشديد. ويكاد سنا على الادغام. وبرقه جمع برقة وهى المقدار من البرق كالغرفة واللقمة وبرقة بضمتين للاتباع كما قيل في جمع فعلة فعلات كظلمات وسناء برقه على المد، المقصور بمعنى الضوء، والممدود بمعنى العلو والارتفاع من قولك سنى للمرتفع. و (يذهب بالابصار) على زيادة الباء كقوله - ولا تلقوا بأيديكم - عن أبي جعفر المدني وهذا من تعديد الدلائل على ربوبيته وظهور أمره حيث ذكر تسبيح من في السماوات والأرض وكل ما يطير بين السماء والأرض ودعاءهم له وابتهالهم إليه، وأنه سخر السحاب التسخير الذي وصفه وما يحدث فيه من أفعاله حتى ينزل المطر منه، وأنه يقسم رحمته بين خلقه ويقبضها ويبسطها على ما تقتضيه حكمته، ويريهم البرق في السحاب الذي يكاد يخطف أبصارهم ليعتبروا ويحذروا، ويعاقب بين الليل والنهار ويخالف بينهما بالطول والقصر، وما هذه إلا براهين في غاية الوضوح على وجوده وثباته ودلائل منادية على صفائه لمن نظر وفكر وتبصر وتدبر. فإن قلت: متى رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسبيح من في السماوات ودعاءهم، وتسبيح الطير ودعاءه، وتنزيل المطر من جبال برد في السماء حتى قيل له:
ألم تر؟ قلت: علمه من جهة إخبار الله إياه بذلك على طريق الوحي. فإن قلت: ما الفرق بين من الأولى والثانية