الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٧٤
الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون. وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون. لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض ومأواهم النار ولبئس المصير.
يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم
____________________
قلت: هو محذوف تقديره: وعدهم الله وأقسم ليستخلفنهم، أو نزل وعد الله في تحققه منزلة القسم فتلقى بما يتلقى به القسم كأنه قيل: أقسم الله ليستخلفنهم. فإن قلت: ما محل (يعبدونني)؟ قلت: إن جعلته استئنافا لم يكن له محل كأن قائلا قال: مالهم يستخلفون ويؤمنون؟ فقال يعبدونني. وإن جعلته حالا عن وعدهم: أي وعدهم الله ذلك في حال عبادتهم وإخلاصهم فمحله النصب (ومن كفر) يريد كفران النعمة كقوله - فكفرت بأنعم الله - (فأولئك هم الفاسقون) أي هم الكاملون في فسقهم حيث كفروا تلك النعمة العظيمة وجسروا على عمطها. فإن قلت: هل في هذه الآية دليل على أمر الخلفاء الراشدين؟ قلت: أوضح دليل وأبينه لان المستخلفين الذين آمنوا وعملوا الصالحات هم هم (وأقيموا الصلاة) معطوف على أطيعوا الله وأطيعوا الرسول، وليس ببعيد أن يقع بين المعطوف والمعطوف عليه فاصل وإن طال، لان حق المعطوف أن يكون غير المعطوف عليه، وكررت طاعة الرسول تأكيد لوجوبها. وقرئ لا يحسبن بالياء وفيه أوجه: أن يكون معجزين في الأرض هما المفعولان والمعنى:
لا يحسبن الذين كفروا أحدا يعجز الله في الأرض حتى يطمعوا هم في مثل ذلك، وهذا معنى قوى جيد. وأن يكون فيه ضمير الرسول لتقدم ذكره في قوله وأطيعوا الرسول. وأن يكون الأصل لا يحسبنهم الذين كفروا معجزين، ثم حذف الضمير الذي هو المفعول الأول وكأن الذي سوغ ذلك أن الفاعل والمفعولين لما كانت لشئ واحد اقتنع بذكر اثنين عن ذكر الثالث، وعطف قوله (ومأواهم النار) على - - لا يحسبن الذين كفروا معجزين - كأنه قيل: الذين كفروا لا يفوتون الله ومأواهم النار، والمراد بهم المقسمون جهد أيمانهم. أمر بأن يستأذن العبيد وقيل العبيد والإماء والأطفال الذين لم يحتلموا من الأحرار (ثلاث مرات) في اليوم والليلة قبل صلاة الفجر لأنه وقت القيام من المضاجع وطرح ما ينام فيه من الثياب ولبس ثياب اليقظة، وبالظهيرة لأنها وقت وضع الثياب للقائلة، وبعد صلاة العشاء لأنه وقت التجرد من ثياب اليقظة والالتحاف بثياب النوم، وسمى كل واحدة من هذه الأحوال عورة لان الناس يختل تسترهم وتحفظهم فيها. والعورة: الخلل، ومنها أعور الفارس وأعور المكان، والأعور: المختل العين. ثم عذرهم في ترك الاستئذان وراء هذه المرات وبين وجه العذر في قوله (طوافون عليكم) يعنى أن بكم وبهم حاجة إلى المخالطة والمداخلة يطوفون عليكم للخدمة وتطوفون عليهم للاستخدام، فلو جزم
(٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 ... » »»