الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٧٦
والقواعد من النساء التي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن والله سميع عليم. ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا
____________________
واعتبر غيره الانبات. وعن عثمان رضي الله عنه أنه سأل عن غلام فقال: هل اخضر إزاره. القاعد: التي قعدت عن الحيض والولد لكبرها (لا يرجون نكاحا) لا يطمعن فيه، والمراد بالثياب الثياب الظاهرة كالملحفة والجلباب الذي فوق الخمار (غير متبرجات بزينة) غير مظهرات زينة يريد الزينة الخفية التي أرادها في قوله - ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن - أو غير قاصدات بالوضع التبرج ولكن التخفف إذا احتجن إليه، والاستعفاف من الوضع خير لهن. لما ذكر الجائز عقبه بالمستحب بعثا منه على اختيار أفضل الأعمال وأحسنها كقوله - وأن تعفوا أقرب التقوى - وأن تصدقوا خير لكم - فإن قلت: ما حقيقة التبرج؟ قلت: تكلف إظهار ما يجب إخفاؤه من قولهم سفينة بارج لاغطاء عليها، والبرج: سعة العين يرى بياضها محيطا بسوادها كله لا يغيب منه شئ، إلا أنه اختص بأن تتكشف المرأة للرجال بإبداء زينتها وإظهار محاسنها. وبدا وبرز بمعنى ظهر من أخوات تبرج وتبلج كذلك.
كان المؤمنون يذهبون بالضعفاء وذوي العاهات إلى بيوت أزواجهم وأولادهم وإلى بيوت قراباتهم وأصدقائهم فيطعمونهم منها، فخالج قلوب المطعمين والمطعمين ريبة في ذلك، وخافوا أن يلحقهم فيه حرج وكرهوا أن يكون أكلا بغير حق لقوله تعالى - ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل - فقيل لهم ليس على الضعفاء ولا على أنفسكم: يعنى عليكم وعلى من في مثل حالكم من المؤمنين حرج في ذلك. وعن عكرمة: كانت الأنصار في أنفسها قزازة فكانت لا تأكل من هذه البيوت إذا استغنوا. وقيل كان هؤلاء يتوقون مجالسة الناس ومواكلتهم لما عسى يؤدى إلى الكراهة من قبلهم، ولان الأعمى ربما سبقت يده إلى ما سبقت عين أكيله إليه وهو لا يشعر، والأعرج يتفسح في مجلسه ويأخذ أكثر من موضعه فيضيق على جليسه، والمريض لا يخلو من رائحة تؤذى أو جرح يبض أو أنف يذن ونحو ذلك. وقيل كانوا يخرجون إلى الغزو ويخلفون الضعفاء في بيوتهم ويدفعون إليهم المفاتيح ويأذنون لهم أن يأكلوا من بيوتهم فكانوا يتحرجون. حكى عن الحرث بن عمرو أنه خرج غازيا وخلف مالك بن زيد في بيتا وماله، فلما رجع رآه مجهودا، فقال: ما أصابك؟ قال: لم يكن عندي شئ ولم يحل لي أن آكل من مالك
(٧٦)
مفاتيح البحث: المرض (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 ... » »»