الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٧٢
وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون. وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين. أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون. إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون. ومن يطع الله ورسوله ويخش الله
____________________
الفريق المتولى فمعناه على الأول إعلام من الله بأن جميعهم منتف عنهم الايمان لا الفريق المتولى وحده، وعلى الثاني إعلام بأن الفريق المتولى لم يكن ما سبق لهم من الايمان إيمانا إنما كان ادعاء باللسان من غير مواطأة القلب، لأنه لو كان صادرا عن صحة معتقد وطمأنينة نفس لم يتعقبه التولي والاعراض، والتعريف في قوله بالمؤمنين دلالة على أنهم ليسوا بالمؤمنين الذين عرفت وهم الثابتون المستقيمون على الايمان الموصوفون في قوله تعالى - إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا - معنى (إلى الله ورسوله) إلى رسول الله كقولك أعجبني زيد وكرمه تريد كرم زيد، ومنه قوله * غلسته قبل القطا وفرطه * أراد قبل فرط القطا. روى أنها نزلت في بشر المنافق وخصمه اليهودي حين اختصما في أرض، فجعل اليهودي يجره إلى رسول الله والمنافق يجره إلى كعب بن الأشرف ويقول: إن محمدا يحيف علينا. وروى أن المغيرة بن وائل كان بينه وبين علي بن أبي طالب رضي الله عنه خصومة في ماء وأرض، فقال المغيرة: أما محمد فلست آتيه ولا أحاكم إليه فإنه يبغضني وأنا أخاف أن يحيف على (إليه) صلة يأتوا لان أتى وجاء قد جا آمعديين بإلى، أو يتصل بمذعنين لأنه في معنى مسرعين في الطاعة، وهذا أحسن لتقدم صلته ودلالته على الاختصاص. والمعنى: أنهم لمعرفتهم أنه ليس معك إلا الحق المر والعدل البحت يزورون عن المحاكمة إليك إذا ركبهم الحق لئلا تنتزعه من أحداقهم بقضائك عليهم لخصومهم، وإن ثبت لهم حق على خصم أسرعوا إليك ولم يرضوا إلا بحكومتك لتأخذ لهم ما ذاب لهم في ذمة الخصم. ثم قسم الامر في صدودهم عن حكومته إذا كان الحق عليهم بين أن يكونوا مرضى القلوب منافقين أو مرتابين في أمر نبوته أو خائفين الحيف في قضائه، ثم أبطل خوفهم حيفة بقوله (بل أولئك هم الظالمون) أي لا يخافون أن يحيف عليهم لمعرفتهم بحاله، وإنما هم ظالمون يريدون أن يظلموا من له الحق عليهم ويتم لهم جحوده، وذلك شئ لا يستطيعونه في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن ثمة يأبون المحاكمة إليه. وعن الحسن قول المؤمنين بالرفع، والنصب أقوى لان أولى الاسمين بكونه اسما لكان أو غلهما في التعريف، وأن يقولوا أو غل لأنه لا سبيل عليه للتنكير بخلاف قول المؤمنين، وكان هذا من قبيل كان في قوله - ما كان لله أن يتخذ من ولد - ما يكون لنا أن نتكلم بهذا - وقرئ ليحكم على البناء للمفعول.
فإن قلت: إلام أسند يحكم ولابدله من فاعل؟ قلت: هو مسند إلى مصدره لان معناه ليفعل الحكم بينهم، ومثله جمع بينهما وألف بينهما، ومثله لقد تقطع بينكم فيمن قرأ بينكم منصوبا: أي وقع التقطع بينكم، وهذه القراءة مجاوبة لقوله دعوا. قرئ ويتقه بكسر القاف والهاء مع الوصل وبغير وصل وبسكون الهاء وبسكون الكاف وكسر الهاء شبه تقه بكتف فخفف كقوله * قالت سليمى اشتر لنا سويقا * ولقد جمع الله في هذه الآية أسباب الفوز.
وعن ابن عباس في تفسيرها (ومن يطع الله) في فرائضه (ورسوله) في سننه (ويخش الله) على ما مضى من ذنوبه
(٧٢)
مفاتيح البحث: المرض (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 ... » »»