الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٧٩
الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم. لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لو إذا فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم.
____________________
الله عليه وسلم فيه من ذوي رأى وقوة يظاهرونه عليه ويعاونونه ويستضئ بآرائهم ومعارفهم وتجاربهم في كفايته فمفارقة أحدهم في مثل تلك الحال مما يشق على قلبه ويشعث عليه رأيه، فمن ثمة غلظ عليهم وضيق عليهم الامر في الاستئذان مع العذر المبسوط ومساس الحاجة إليه واعتراض ما يهمهم ويعنيهم وذلك قوله (لبعض شأنهم). وذكر الاستغفار للمستأذنين دليل على أن الأحسن الأفضل أن لا يحدثوا أنفسهم بالذهاب ولا يستأذنوا فيه. وقيل نزلت في حفر الخندق، وكان قوم يتسللون بغير إذن وقالوا: كذلك ينبغي أن يكون الناس مع أئمتهم ومقدميهم في الدين والعلم يظاهرونهم ولا يخذلونهم في نازلة من النوازل ولا يتفرقون عنه، والامر في الاذن مفوض إلى الامام إن شاء أذن وإن شاء لم يأذن على حسب ما اقتضاه رأيه. إذا احتاج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اجتماعكم عنده لأمر فدعا كم فلا تفرقوا عنه إلا بإذنه، ولا تقيسوا دعاءه إياكم على دعاء بعضكم بعضا ورجوعكم عن المجمع بغير إذن الداعي، أو لا تجعلوا تسميته ونداءه بينكم كما يسمى بعضكم بعضا ويناديه باسمه الذي سماه به أبواه، ولا تقولوا يا محمد ولكن يا نبي الله ويا رسول الله مع التوقير والتعظيم والصوت المخفوض والتواضع. ويحتمل لا تجعلوا دعاء الرسول ربه مثل ما يدعو صغيركم كبيركم وفقيركم غنيكم يسأله حاجة فربما أجابه وربما رده، فإن دعوات رسول الله صلى الله عليه وسلم مسموعة مستجابة (يتسللون) ينسلون قليلا قليلا، ونظير تسلل تدرج وتدخل. واللو إذ الملاوذة، وهو أن يلوذ هذا بذاك وذاك بهذا: يعنى ينسلون عن الجماعة في الخفية على سبيل الملاوذة واستتار بعضهم ببعض، و (لو إذا) حال: أي ملاوذين. وقيل كان بعضهم يلوذ بالرجل إذا استأذن فيأذن له فينطلق الذي لم يؤذن له معه. وقرئ لو إذا بالفتح. يقال خالفه إلى الامر: إذا ذهب إليه دونه، ومنه قوله تعالى - وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه - وخالفه عن الامر: إذا صد عنه دونه، ومعنى (الذين يخالفون عن أمره) الذين يصدون عن أمره دون المؤمنين وهم المنافقون فحذف المفعول لان الغرض ذكر المخالف والمخالف عنه.
الضمير في أمره لله سبحانه أو للرسول صلى الله عليه وسلم، والمعنى عن طاعته ودينه (فتنة) محنة في الدنيا (أو يصيبهم عذاب أليم) في الآخرة. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: فتنة قتل. وعن عطاء: زلازل وأهوال. وعن جعفر بن محمد: يسلط عليهم سلطان جائر. أدخل قد ليؤكد علمه بما هم عليه من المخالفة عن الدين والنفاق، ومرجع توكيد العلم إلى توكيد الوعيد، وذلك أن قد إذا دخلت على المضارع كانت بمعنى ربما، فوافقت ربما في خروجها إلى معنى التكثير في نحو قوله:
فإن تمس مهجور الفناء فربما * أقام به بعد الوفود وفود ونحو قول زهير:
أخي ثقة لا تهلك الخمر ماله * ولكنه قد يهلك المال نائله
(٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 ... » »»