شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ١٢٦
العمى إلى القلب أولى من نسبته إلى العين كما يشعر به قوله تعالى (لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدر) (فهم لا يعقلون) أي لا يعقلون فرقا بين الحق والباطل ولا يتفكرون فيما أنزل الله ولا ينظرون إليه بعيون عقولهم ليعلموا أنه الحق من ربهم.
(وقال: ومنهم) أي ومن المكذبين الذين سارعوا إلى تكذيب القرآن وما اشتمل عليه من الحشر والنشر والثواب والعقاب، وسائر ما يخالف دينهم ودين آبائهم قبل أن يقفوا على معانيه وينظروا إلى مبانيه حتى يتبين لهم أنه صدق (من يستمع إليك) إذا قرأت القرآن وعلمت الشرايع ولكن لا يقبلون كالأصم الذي لا يسمع أصلا لغلبة الشقاوة عليهم وإحاطة الغواية بهم بسبب التقليد والإلف بالباطل ومعارضة الوهم (أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون) أي أفأنت تقدر على إسماعهم ولو انضم إلى صممهم عدم تعقلهم شيئا من الحق لقساوة قلوبهم وجمود طبايعهم وخمود أذهانهم حتى صاروا بمنزلة البهائم، فيه تنبيه على أن الإعراض عن نصح أمثالهم أولى لأن من شرائط النصيحة أن يكون للمنصوح قوة سامعة وبصيرة قلبية فإذا انتفت إحداهما أو كلاهما فالإعراض عنها حري ولذلك ترى الطبيب الحاذق إذا علم استيلاء المرض وعدم قبوله للعلاج يعرض عنه، قيل: هذه الآية تدل على أن السمع أفضل من البصر لأنه قرن ذهاب العقل بذهاب السمع لا بذهاب البصر فالسمع أفضل ويرشد إليه تقديمه فيما قبل أيضا ويدل عليه أيضا قوله تعالى: (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع) فجعل السمع قرينا للقلب، والمراد به العقل دل على أنه أفضل، وقوله تعالى:
(لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير) فإنهم جعلوا السمع مثل العقل سببا للخلاص عن السعير، وقيل: البصر أفضل من السمع لأن آلة القوة الباصرة هي النور وآلة القوة السامعة هي الهواء، والنور أشرف من الهواء فالبصر أفضل من السمع، ولأن البصر يرى ما فوق سبع سماوات والسمع لا يدرك ما بعد عنه على فرسخ فكان البصر أقوى، ولأن محله الوجه وهو أشرف الأعضاء وللطرفين مؤيدات وتزئيفات لا يناسب المقام ذكرها.
(وقال أم تحسب) «أم» حرف عطف في الاستفهام ولها موضعان، أحدهما: أن يكون متصلة بما قبلها وهي تقع دائما معادلة لألف الاستفهام ولا تستعمل بدونها تقول: أزيد في الدار أم عمرو وتعلم أن الكائن فيها أحدهما وتطلب التعين والمعنى أيهما فيها، وشرطها أن يكون أحد المستويين يليها والآخر يلي الهمزة بلا فصل، والثاني: أن يكون منقطعة عما قبلها خبرا كان أو استفهاما تقول في الخبر أنها لابل أم شاة يا فتى، وذلك إذا نظرت إلى شخص فتوهمته إبلا فقلت ما سبق إلى وهمك، ثم أدركك الظن أنه شاة فانصرفت عن الأول وقلت أم شاة بمعنى بل أشاة إلا أن ما يقع بعد «بل» يقين، وما بعد «أم» مظنون، وتقول في الاستفهام: هل زيد منطلق أم عمرو يا فتى، إنما أضربت عن سؤالك عن
(١٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 ... » »»
الفهرست