إقراره لوارثه بها جائز مطلقا، مع أن النقول مصرحة بأن إقراره له بالعين كالدين كما قدمناه عن الرملي. ومن هذا يظهر لك ما في بقية كلام الشارح، وهو متابع فيه للأشباه مخالفا للمنقول، وخالفه فيه العلماء الفحول كما قدمناه.
وفي الفتاوى الإسماعيلية: سئل فيمن أقر في مرضه أن لا حق له في الأسباب والأمتعة المعلومة مع بنته المعلومة وأنها تستحق ذلك دونه من وجه شرعي، فهل إذا كانت الأعيان المرقومة في يده وملكه فيها ظاهر ومات في ذلك المرض فالاقرار بها للورثة باطل؟.
الجواب: نعم على ما اعتمده المحققون، ولو مصدرا بالنفي خلافا للأشباه وقد أنكروا عليه ا ه.
ونقه السائحاني في مجموعه ورد على الأشباه والشارح في هاشم نسخته.
وفي الحامدية: سئل في مرض الموت أقر فيه أنه لا يستحق عند زوجته هند حقا وأبرأ ذمتها عن كل حق شرعي ومات عنها وعن ورثة غيرها وله تحت يدها أعيان وله بذمتها دين والورثة لم يجيزوا الاقرار، فهل يكون غير صحيح.
الجواب: يكون الاقرار غير صحيح والحالة هذه، والله تعالى أعلم ا ه.
أقول: لكن يجب تقييد عدم الصحة بما إذا كان ملكه فيها معلوما أيضا ليكون ذلك قرينة على قصد الاضرار بباقي الورثة لئلا يتنافى كلامهم. تأمل. قوله: (ومنها النفي) فيه أنه ليس بإقرار للوارث كما صوبه في الأشباه قوله: (كلا حق لي) هذا صحيح في الدين لا في العين كما مر. قوله: (وهي الحيلة) أي في قوله: لا حق لي قبل أمي وأبي: يعني إذا علم أنه لا حق له قبلهما وخاف أن يتعلل عليهما أحد من الورثة أو يدعي عليهما بشئ، أما لو كان له حق فلا يحل له إضرار باقي الورثة، فليتق الله من كان خارجا من الدنيا مقبلا على الآخرة. قوله: (ومنه) الأولى ومنه كما قال في سابقه إلا أن يقال: إنه عائد إلى النفي: أي ومن النفي السابق هذا الخ. قوله: (هذا) غير صحيح كما علمته مما مر لأنه مخالف لعامة المعتبرات. قوله: (وهذا حيث لا قرينة) لم يذكر ذلك في الأشباه أصلا، وحيث كان هذا إقرارا بعين لوارث وأنه لا يصح فلا حاجة إلى هذا التقييد. قوله: (فليحفظ فإنه مهم) الحاصل أن الشارح رحمه الله تعالى تابع صاحب الأشباه، وقد علمت أنه مخالف للمنقول، واستنبط من كلامه أشياء مخالفة أيضا، وقد ظهر لك بما قدمناه حقيقة الحال بعون الملك المتعال.
تتمة: قال في البحر في متفرقات القضاء: ليس لي على فلان شئ ثم ادعى عليه مالا وأراد تحليفه لم يحلف، وعند أبي يوسف يحلف، وسيأتي في مسائل شتى آخر الكتاب أن الفتوى على قول أبي يوسف، واختاره أئمة خوارزم، لكن اختلفوا فيما إذا ادعاه وارث المقر على قولين، ولم يرجح في البزازية منهما شيئا. وقال الصدر الشهيد: الرأي في التحليف إلى القاضي، وفسره في فتح القدير بأنه يجتهد في خصوص الوقائع، فإن غلب على ظنه أنه لم يقبض حين أقر يحلف له الخصم، ومن لم يغلب على ظنه ذلك لا يحلفه، وهذا إنما هو في المتفرس في الأخصام ا ه.
قلت: وهذا مؤيد لما بحثناه، والحمد لله.