أقول: والظاهر أنه مقيد بغير الأمراض المزمنة التي طالت، ولم يخف منها الموت كالفالج ونحوه، وإن صيرته ذا فراش ومنعته عن الذهاب في حوائجه فلا يخالف ما جرى عليه أصحاب المتون والشروح هنا تأمل.
قال في الإسماعيلية: من به بعض مرض يشتكي منه وفي كثير من الأوقات يخرج إلى السوق ويقضي مصالحه لا يكون به مريضا مرض الموت وتعتبر تبرعاته من كل ماله، وإذا باع لوارثه أو وهبه لا يتوقف على إجازة باقي الورثة ا ه. وتمام الكلام على ذلك مفصلا في المحلين المذكورين. قوله:
(إقراره بدين لأجنبي) المراد بالأجنبي من لم يكن وارثا وإن كان ابن ابنه. قوله: (نافذ من كل ماله) لكن يحلف الغريم كما مر قبيل باب التحكيم، ومثله في قضاء الأشباه. قوله: (بأثر عمر) رضي الله تعالى عنه، وهو ما روي عنه أنه قال: إذا أقر المريض بدين جاز ذلك عليه في جميع تركته، والأثر في مثله كالخبر لأنه من المقدرات، فلا يترك بالقياس فيحمل على أنه سمعه من النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، ولأن قضاء الدين من الحوائج الأصلية لان فيه تفريغ ذمته ورفع الحائل بينه وبين الجنة فيقدم على حق الغرماء كسائر حوائجه، لان شرط تعليق حقهم الفراغ من حقه، ولهذا يقدم كفنه عليهم، والقياس أن لا ينفذ إلا من الثلث، لان الشرع قصر تصرفه على الثلث وعلق حق الورثة بالثلثين، فكذا إقراره. كذا في الزيلعي. وفيه: ولأنه لو لم يقبل إقراره لامتنع الناس عن معاملته حذرا من إتواء مالهم فينسد عليهم طريق التجارة أو المداينة ا ه. وفي بعض النسخ بأثر ابن عمر رضي الله تعالى عنهما:
وهي الموافقة لما في الاتقاني عن المبسوط.
أقول: وفي البخاري في كتاب الوصايا ما نصه: ويذكر أن شريحا وعمر بن عبد العزيز وطاوسا وعطاء وابن أذينة أجازوا إقرار المريض بدين ا ه. فلعل مراد الشارح بأثر عمر هو عمر بن عبد العزيز قوله: (ولو بعين فكذلك) قال العلامة الرملي في حاشيته على المنح: قوله إقراره بدين ليس احترازا عن العين لان إقراره له بها صحيح.
قال في مجمع الفتاوي إذا أقر المريض لأجنبي بجميع ماله صح، ولو أقر لغير الوارث بالدين يصح ولو أحاط بجميع ماله، وبه نأخذ. وفيها: المريض الذي ليس عليه دين إذا أقر بجميع ماله صح إقراره ولا يتوقف على إجازة الورثة، ولو كان تمليكا لا ينفذ إلا بقدر الثلث عند عدم الإجازة، وقد ذكر الزيلعي: لو كان عليه دين لا يصح إقراره بدين ولا بعين في يده لآخر في حق غرماء الصحة والمرض بأسباب معلومة ا ه. قوله: (إلا إذا علم تملكه) أي بقاء ملكه لها في زمن مرضه. قوله:
(فيتقيد بالثلث) أي فيكون إقراره له تمليكا له والتمليك في المرض وصية، وهو معنى ما أفاده الحموي أن إقراره بالعين للأجنبي صحيح إن كان إقراره حكاية، وإن كان بطريق الابتداء يصح من الثلث كما في فصول العمادي. وقد سئل العلامة المقدسي: عن المراد بالحكاية والابتداء.
فأجاب: بأن المراد بالابتداء ما يكون صورته صورة إقرار، وهو في الحقيقة ابتداء تمليك بأن يعلم بوجه من الوجوه أن ذلك الذي أقر به ملك له، وإنما قصد إخراجه في صورة الاقرار، حتى لا يكون في ذلك منع ظاهر على المقر، كما يقع أن الانسان يريد أن يتصدق على فقير ولكنه يعرض عنه