حجة قاصرة لا تتعدى إلى غير المقر، وقد اتفقا على أن المدعى به ملك الغائب فلا ينفذ إقرار مودعه عليه، ولها نظائر كثيرة كمتولي الوقف وناظر اليتيم فإنه يلزمه بالبرهان لا بالاقرار، وتقدمت هذه بعينها في كتاب الوكالة أن المودع لو أقر له أن المودع وكله بقبض الوديعة لا يؤمر بالدفع إليه لعدم نفوذ إقرار المودع على المودع في إبطال يده، ولو برهن على الوكالة أمر بالدفع إليه، بخلاف ما لو كان مديون الغائب وادعى عليه شخص الوكالة بالقبض وصدقه فإنه يدفع إليه لان الديون تقضي بأمثالها، فكان إقرارا على نفسه لا على الغائب، ويمكن أن يقال في وجه العجب: أن في كل من المسألتين قضاء على الغائب، وقد أمر بالتسليم في الأولى دون الثانية، ولانا نلزمه بالتسليم بالبرهان لا بالاقرار.
تأمل. قوله: (ولو ادعى أنه له) قلت: وكذا لو ادعى أنه أعاره لفلان كما يظهر من العلة. قوله:
(اندفعت) أي بلا بينة. نور العين. قوله: (ولو كان مكان الغصب سرقة لا تندفع) أي دعوى سرقة الغائب، وفيه أنهما توافقا أن اليد لذلك الرجل.
قال صاحب البحر: وقد سألت بعد تأليف هذا المحل بيوم عن رجل أخذ متاع أخته من بيتها ورهنه وغاب فادعت الأخت به على ذي اليد.
فأجاب بالرهن، فأجبت إن ادعت الأخت غصب أخيها وبرهن ذو اليد على الرهن اندفعت وإن ادعت السرقة لا، والله تعالى أعلم: أي لا تندفع. وظاهره أنها ادعت سرقة أخيها مع أنا قدمنا عنه أن تقييد دعوى الفعل على ذي اليد للاحتراز عن دعواه على غيره، فإنه لو دفعه ذو اليد بواحد مما ذكر وبرهن تندفع كدعوى الملك المطلق، فيجب أن يحمل كلامه هنا على أنها ادعت أنه سرق منها مبنيا للمجهول لتكون الدعوى على ذي اليد، وإن أبقى على ظاهره يكون جريا على مقابل الاستحسان الآتي قريبا، لكن ينافي الحمل المذكور قولها إن أخاها أخذه من بيتها. تأمل، وقيد بقوله غصبه منه أو سرقه للاحتراز عن قوله إنه ثوبي سرقه مني زيد وقال ذو اليد أودعنيه زيد ذلك لا تندفع الخصومة استحسانا.
يقول الحقير: لعل وجه الاستحسان هو أن الغصب إزالة اليد المحققة بإثبات اليد المبطلة كما ذكر في كتب الفقه، فاليد للغاصب في مسألة الغصب، بخلاف مسألة السرقة إذ اليد فيها لذي اليد، إذ لا يد للسارق شرعا، ثم إن في عبارة لا يد للسارق نكتة لا يخفى حسنها على ذوي النهي. نور العين.
وهذا أولى مما قاله السائحاني: يجب حمله على ما إذا قال سرق مني، أما لو قال سرقه الغائب مني فإنها تندفع لتوافقهما أن اليد للغائب، وصار من قبيل دعوى الفعل على غير ذي اليد، وهي تندفع كما في البحر، لكن ذكر بعده هذه المسألة وأفاد أنها مبنية للفاعل، وصرح بذلك في الفصولين، فلعل في المسألة قولين قياسا واستحسانا انتهى. قوله: (استحسانا) قدمنا وجهه قريبا عن نور العين، ولعل وجهه أيضا دفع إفساد السراق، لان الضرورة في السرقة أعظم من غيرها لأنها تكون خفية، ولذا شرع فيها الحد. قوله: (لم يكن الثاني خصما للأول) أي ما لم يدع عليه فعلا أو حتى يحضر المالك بمنزلة