أقول: عبارة الخلاصة هكذا: الشاهدان إذا رجعا عن شهادتهما رجوعا معتبرا: يعني عند القاضي لا يبطل القضاء، لكن ضمن المال الذي شهدا به، وهذا قوله الآخر، وهو قولهما، وعليه الفتوى، سواء قبض المقضي له المال الذي قضي له أو لم يقبض انتهت. فقوله: وهو قوله الآخر ليس نصا في رجوعه إلى الاطلاق وإلا لاخره، والذي يظهر لي أنه أراد بقوله الآخر الضمان بالرجوع مطلقا: أي سواء كان الشاهد كحاله الأول في العدالة أو لا، فيكون إشارة إلى ما تقدم الكلام فيه فيما مر آنفا، يقر به ما في الفتح حيث قال: واعلم أن الشافعية اختلفوا في هذه المسألة، والصحيح عند الامام والعراقيين وغيرهم أن الشهود يضمنون كمذهبنا، والقول الآخر لا ينقض، ولا يرد المال من المدعي، ولا يضمن الشهود، وهو عين قول أبي حنيفة الأول إذا كان حالهما وقت الرجوع مثله وقت الأداء ا ه.
وفي الولوالجية: ثم إذا صح الرجوع لا يبطل القضاء، ولكن يضمنان المال الذي شهدا له به وهو قولهما وقول أبي حنيفة الآخر اه. فهذه العبارة تؤيد ما قلنا.
ولو سلم أنه أراد رجوع الامام عن التقييد بالقبض فنقول: لو صح لم يمش على خلافه أصحاب المتون وغيرهم كالهداية والمختار والوقاية والغرر والاصلاح والكنز والملتقى ومواهب الرحمن، فكلهم قيدوا بالقبض، وجزم به صاحب المجمع كما علمت والحدادي في الجوهرة، ولو صح نقل الرجوع لذكره شراح الهداية، فإنهم اقتصروا على شرح ما ذكره الماتن، ونقلوا القول الآخر من غير ترجيح، ولا ذكر رجوع، وأنت على علم بأن ما أثبته أرباب المتون في متونهم مختار لهم، لان المتون في متونهم مختار لهم، لان المتون موضوعة لنقل المذهب، ومما هو مقرر مشتهر أن ما في المتون مقدم على ما في الشروح، وما في الشروح مقدم على ما في الفتاوى والحواشي، فكيف لا يقدم ما في المتون والشروح على ما في الفتاوى؟ وحينئذ فما كان ينبغي للمصنف أن يجزم بما في الفتاوى ويعدل عما عليه المتون، فالعبرة لما عليه أصحاب المتون أنه لا يرجع إلا بعد القبض دينا كان أو عينا، فليتأمل. وما نقله في البحر عن الخلاصة أن ما في الفتاوى هو قول الإمام الأخير كما علمت فيه الكلام المتقدم، وللمقال فيه محال، كأنه هو الذي غر المصنف. قوله: (وقيده في الوقاية الخ) وكذا في الهداية والمختار والاصلاح ومواهب الرحمن، وجزم به الحدادي في الجوهرة وصاحب المجمع. قوله: (وقيل إن المال عينا فكالأول) قائله شيخ الاسلام:
أي يجب على الشهود الضمان مطلقا قبضها المشهود له أو لا، لأن الضمان مقيد بالمماثلة، وفي العين زوال ملك الشهود عليه عنها بالقضاء وفي الدين لا يزول ملكه حتى يقبضه، ألا ترى أن المقضي عليه لا يجوز له أن يتصرف فيها وجاز للمقضي عليه ذلك. حلبي بزيادة. قال العلامة أبو السعود: وكذلك العقار يضمنه قبل القبض عندهم، لان العقار يضمن بالاتلاف بشهادة الزور، بخلاف الغصب عند أبي حنيفة وأبي يوسف لعدم تحققه فيه. زيلعي. وقوله عندهم: أي عند أبي حنيفة وصاحبيه. بقي أن يقال: ظاهر كلام الزيلعي يفيد عدم اشتراط القبض في العقار لوجوب الضمان على الشاهد إذا رجع بعد القضاء من غير خلاف، وليس كذلك، بل الخلاف ثابت ولهذا قال شيخنا: هذا على قول شيخ الاسلام، وعلى قول شمس الأئمة لا يضمنه الشاهدان بالرجوع إلا إذا قبضه المدعي كالمنقول ا ه.
قوله: (وإن دينا فكالثاني) أي لو رجع الشهود قبل قبضه لا يضمنون إلى أن يؤدي إليهم، ولو بعده