التقليد لأن كبار الصحابة والتابعين تقلدوه، ولم يتعرض المصنف لكون الدخول فيه عند الامن رخصة فالأولى تركه أو عزيمة فالأولى الدخول فيه للاختلاف. قال في البزازية: وعامة المشايخ على أن التقلد رخصة والترك عزيمة، وقد دخل في القضاء قوم صالحون وتحامى منه قوم صالحون وترك الدخول أصلح دينا ودنيا. وفي فتح القدير: وإن أمن أبيح رخصة والترك هو العزيمة لأنه وإن أمن فالغالب خطأ طن من ظن من نفسه الاعتدال فيظهر منه خلافا ا ه.
فالحاصل أنه فرض عين إن تعين وفرض كفاية للمتأهل عند وجود غيره لكن رخصة ومكروه عند خوف العجز أو الحيف، وينبغي أن يكون حراما عند غالب ظنه أنه يجور في الحكم، ومباح وكما قدمناه ففيه الأحكام الخمسة. أما غير الأهل فيحرم عليه الدخول فيه قطعا، ولم أر حكم ما إذا خاف الجور مع التعين، ومقتضى كلامهم في النكاح أن لا يجوز له القبول تقديما للمحرم على المبيح وإن كان فرضا، وقد روي أن أبا حنيفة دعي للقضاء ثلاثة مرات فأبى حتى حبس وجلد كل مرة ثلاثين سوطا حتى قال له أبو يوسف: لو تقلدت لمنفعة الناس؟ فنظر إليه شبه المغضب فقال: لو أمرت أن أقطع البحر سباحة لكنت أقدر عليه فكأني بك قاضيا ونكس رأسه ولم ينظر إليه بعد. وهذا يدل على كراهة الدخول فيه وهو قول البعض وقدمنا أنه لا يكره للقادر عليه. وظاهر كلام الإمام أنه عرف من نفسه عدم القدرة ولذا لم يقبل، وبه صرح في فتح القدير أنه لا يجوز القبول إلا لمن أجبر عليه ولذا ضرب الإمام أياما وقيد بضعا وخمسين وامتنع في الأصح من القبول ومات على الاباء، كذا في البزازية.
وحاصل ما ذكره البزازية في مناقبه روايات: الأولى أن الإمام لما أكرهه المنصور على القضاء وأبى حبسه وضربه ثلاثة أيام ومات في الحبس مبطونا. الثانية انه حبس مرتين على القضاء والفتيا ثم اخرج ولزم بيته ومنع من الجلوس للنساء ان مات. الثالثة أنهم لما عجزوا منه قتلوه بالسم. الرابعة أنه طيف به في الأسواق. الخامس أنه لما أحس بالسم سجد فخرجت روحه ساجدا سنة خمسين ومائة. ومن غريب ما وقع أنه جئ بجنازته فازدحم الناس فلم يقدروا على دفنه إلا بعد العصر واستمر الناس يصلون عليه على قبره عشرين يوما وحذر من صلى عليه خمسون ألفا ثم قال: والجمهور على أنه لم يقبل القضاء وأنه مات بالسم وقيل قبله يومين أو ثلاثة لأجل بر المنصور في يمينه ثم ترك. ثم اعلم أن واقعة المنصور معه هي الفتنة الثانية للإمام والأولى أكرهه ابن هبيرة والي الكوفة على قضائها وضربه على رأسه حتى انتفخ وجهه وحبسه فرأى النبي صلى الله عليه وسلم فأمره بإطلاقه وتمامه فيها. ولم يذكر الشارح المولى للقضاة وظاهر كلامهم أنه الخليفة أو السلطان وعند الإمام الثاني الأمير الذي ولاه