وإن عدم المفتي في بلده وغيرها ولا من ينقل له حكمها فلا يؤاخذ صاحب الواقعة بشئ يصيبه إذ لا تكليف. فرع أفتاه ثم رجع قبل العمل كف عنه، وكذا إذا نكح امرأة بفتواه ثم رجع لزمه فراقها كما في القبلة، وإن رجع بعد العمل وفد خالف دليلا قاطعا نقضه وإلا فلا. وإن كان المفتي يقلد الإمام فنص إمامه إن كان اجتهاديا في حقه كالدليل القطعي وعلى المفتي إعلامه برجوعه قبل العمل، وكذا بعده إن وجب النقض وإن أتلف بفتواه لا يغرم ولو كان أهلا ا ه والله تعالى أعلم.
فصل يجوز تقليد من شاء من المجتهدين وإن دونت المذاهب كاليوم وله الانتقال من مذهبه لكن لا يتبع الرخص فإن تتبعها من المذاهب فهل يفسق وجهان ا ه. قال الشارح: أوجههما لا والله سبحانه أعلم. وقد عقد في أول التتارخانية فصلين في الفتوى حاصل الأول أن أبا يوسف قال: لا تحل الفتوى إلا لمجتهد، ومحمد جوزها إذا كان صواب الرجل أكثر من خطئه. وعن الإسكاف أن الأعلم بالبلد لا يسعه تركها. واختلفوا في الافتاء ماشيا جوزه البعض ومنعه آخر، واختار الإسكاف أن يفتي إن كان شيئا ظاهرا وإلا لا، وكان ابن سلام إذا ألح عليه المستفتي وقال جئت من مكان بعيد يقول:
فلا نحن نادينا ك من حيث جئتنا * ولا نحن عمينا عليك المذاهبا ولكن اختار الفقيه أبو الليث أنه لا يقول له ذلك أول مرة فإن ألح أجابه بذلك.
وحاصل الثاني أن اختلاف أئمة الهدى توسعة على الناس فإن كان الإمام في جانب وهما في جانب خير المفتي، وإن كان أحدهما مع الإمام أخذ بقولهما إلا إذا اصطلح المشايخ على قول الآخر فيتبعهم كما اختار الفقيه أبو الليث قول زفر في مسائل. وإن اختلف المتأخرون أخذ بقول واحد، فلو لم يجد من المتأخرين مجتهدا برأيه إذا كان يعرف وجوه الفقه ويشاور أهله.
ولا يجوز له الافتاء بالقول المهجور لجر منفعة ولا يرجو عليه دنيا ورد مفت زرا على خياط مستفت وقلعه من ثوبه تحررا عن شبهة الرشوة. ومن شرائطها حفظه الترتيب والعدل بين المستفتين لا يميل إلى الأغنياء وأعوان السلطان والامراء بل يكتب جواب السابق غنيا كان أو فقيرا. ومن آدابه أن يأخذ الورقة بالحرمة ويقرأ المسألة بالبصيرة مرة بعد مرة حتى يتضح له