البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٦ - الصفحة ٤٤٦
وكونه فقيه النفس بمعنى شديد الفهم بالطبع، وعلمه باللغة والعربية أي الصرف والنحو والمعاني والبيان والأصول، وكونه حاويا بالعلم كتاب الله تعالى مما يتعلق بالأحكام، وكونه عالما بالحديث متنا وسندا وناسخا ومنسوخا، ولا يشترط فيه بعد صحة العقيدة علم الكلام ولا تفاريع الفقه ولا الذكورة والحرية ولا العدالة فللفاسق الاجتهاد ليعمل بنفسه وأما غيره فلا يعمل به. ويشترط كونه عالما بوجوه القياس وفي الحقيقة اشتراط علمه بالأصول يغني عنه، ولا بد من معرفة الاجماع ومواقعه ومن معرفة عادات الناس، فالحاصل أن الشرائط أربعة عشر شرطا. وأما ركنه فالمجتهد وهو ما قدمناه والمجتهد فيه وهو حكم شرعي ظني عليه دليل.
قوله: (والمفتى ينبغي أن يكون هكذا) أي موثوقا به في دينة وعفافه إلى آخره. وأن يكون مجتهدا قال في فتح القدير: واعلم أن ما ذكر في القاضي ذكر في المفتي فلا يفتي إلا المجتهد، وقد استقر رأي الأصوليين على أن المفتي هو المجتهد فأما غير المجتهد ممن يحفظ أقوال المجتهد فليس مفتيا، والواجب عليه إذا سئل أن يذكر قول المجتهد كأبي حنيفة على جهة الحكاية فعرف أن ما يكون في زماننا من فتوى الموجودين ليس بفتوى بل هو نقل كلام المفتي ليأخذ به المستفتي. وطريق نقله لذلك عن المجتهد أحد أمرين: إما أن يكون له سند فيه أو يأخذه من كتاب معروف تداولته الأيدي نحو كتب محمد بن الحسن ونحوها من التصانيف المشهور للمجتهدين لأنه بمنزلة الخبر المتواتر أو المشهور، هكذا ذكر الرازي. فعلى هذا لو وجد بعض نسخ النوادر في زماننا لا يحل عز وما فيها إلى محمد ولا إلى أبي يوسف لأنها لم تشتهر في عصرنا في ديارنا ولم تتداول، نعم إذا وجد النقل عن النوادر مثلا في كتاب مشهور معروف كالهداية والمبسوط كان ذلك تعويلا على ذلك الكتاب فلو كان حافظا للأقاويل المختلفة للمجتهدين ولا يعرف الحجة ولا قدرة له على الاجتهاد للترجيح لا يقطع بقول منها يفتي به بل يحكيها للمستفتي فيختار المستفتي ما يقع في قلبه أنه الأصوب، ذكر في بعض الجوامع. وعندي لا يجب عليه حكاية كلها بل يكفي أن يحكي قولا منها فإن المقلد له أن يقلد أي مجتهد شاء، فإذا ذكر أحدها فقلده حصل المقصود، نعم لا يقطع عليه فيقول جواب مسألتك كذا بل يقول قال أبو حنيفة حكم هذا كذا، نعم لو حكى الكل فالأخذ بما يقع في قلبه أن أصوب أولى وإلا فالعامي لا عبرة بما يقع في قلبه من صواب الحكم
(٤٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 441 442 443 444 445 446 447 448 449 450 451 ... » »»
الفهرست