البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٥ - الصفحة ٧٢
ظاهرا كقوله يا كلب اه‍. والمصنف رحمه الله اقتصر على مسائل الشتم لكثرة وقوعها خصوصا في زماننا. وأطلق عليه قذفا مجازا شرعيا وهو حقيقة لغوية لأن القذف في اللغة الرمي بالحجارة ونحوها قال تعالى * (ويقذفون من كل جانب دحورا) * (الصافات: 8) وقذف المحصنات رميهن بالفجور والقذف بالغيب الرجم بالظن قال تعالى * (ويقذفون بالغيب) * (سبأ: 53) وقذف قذفا كذا في ضياء الحلوم. وأطلق في وجوب التعزير بالشتم المذكور وهو مقيد بأن يعجز القائل عن إثبات ما قاله. قال في المحيط: ولو قال له يا فاسق يا فاجر يا مخنث يا لص والمقول له فاسق أو فاجر أو لص لا يعزر، ذكره الحسن في المجرد لأنه صادق في إخباره فلا يكون فيه إلحاق الشين به بل الشين كان ملحقا به. وفي فتح القدير: إنما يجب التعزير فيمن لم يعلم اتصافه به، أما من علم اتصافه فإن الشين قد ألحقه هو بنفسه قبل قول القائل اه‍.
وفي القنية: قال له يا فاسق ثم راد أن يثبت بالبينة فسقه ليدفع التعزير عن نفسه لا تسمع بينته لأن الشهادة على مجرد الجرح والفسق لا تقبل بخلاف ما إذا قال يا زاني ثم أثبت زناه بالبينة تقبل لأنه متعلق الحد، ولو أراد إثبات فسقه ضمنا لما تصح فيه الخصومة كجرح الشهود إذا قال رشوته بكذا فعليه رده تقبل البينة، كذا هذه اه‍. وهذا إذا شهدوا على فسقه ولم يبينوه، وأما إذا بينوه بما يتضمن إثبات حق الله تعالى أو العبد فإنها تقبل كما إذا قال له يا فاسق فلما رفع إلى القاضي ادعى أنه رآه قبل أجنبية أو عانقها أو خلا بها ونحو ذلك ثم أقام رجلين شهدا أنهما رأياه فعل ذلك فلا شك في قبولها وسقوط التعزير عن القائل لأنها تضمنت إثبات حق لله تعالى وهو التعزير على الفاعل لأن الحق لله تعالى لا يختص بالحد بل أعم منه ومن التعزير، وكذلك يجري هذا في جرح الشاهد بمثله وإقامة البينة عليه، وينبغي على هذا للقاضي أن يسأل الشاتم عن سبب فسقه فإن بين سببا شرعيا طلب منه إقامة البينة عليه، وينبغي أنه إن بين أن سببه ترك الاشتغال بالعلم مع الحاجة إليه أن يكون صحيحا وفي مثل هذا لا يطلب منه البينة بل يسأل المقول له عن الفرائض التي يفترض عليه معرفتها، فإن لم يعرفها ثبت فسقه فلا شئ على القائل له يا فاسق لما صرح به في المجتبى من أن من ترك
(٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 ... » »»
الفهرست