ما أخذ الناس بقول أبي حنيفة وأصحابه إلا لتركهم التحكم على الناس، ولو جاز تقليد أبي حنيفة في هذا لكان من مضى قبيل أبي حنيفة مثل الحسن البصري وإبراهيم النخعي أحرى أن يقلدوا، ولم يحمد محمد على ما قال بسبب أستاذه، وقيل بسبب ذلك انقطع خاطره فلم يتمكن من تفريع مسائل الوقف كالخصاف وهلال، ولو كان أبو حنيفة في الاحياء حين ما قال لزأم عليه فإنه كما قال مالك في أبي حنيفة: رأيت رجلا لو قال هذه الأسطوانة من ذهب لدل عليه ولكن كل مجر بالخلا يسر، كذا في الظهيرية. والحاصل أن المشايخ رجحوا قولهما وقال الفتوى عليه. وفي فتح القدير: إنه الحق، ولا يبعد أن يكون إجماع الصحابة ومن مر بعدهم رضي الله عنهم متوارثا على خلاف قوله. وفي الهداية: ولو وقف في مرض موته قال الطحاوي: هو بمنزلة الوصية بعد الموت والصحيح أنه لا يلزم عند أبي حنيفة، وعندهما يلزم إلا أنه يعتبر من الثلث والوقف في الصحة من جميع المال اه. وفي الظهيرية: امرأة وقفت منزلا في مرضها على بناتها ثم من بعدهن على أولادهن وأولاد أولادهن أبدا ما تناسلوا فإذا انقرضوا فللفقراء ثم ماتت من مرضها وخلفت من الورثة بنتين وأختا لأب والأخت لا ترضى بما صنعت ولا مال لها سوى المنزل، جاز الوقف في الثلث ولم يجز في الثلثين فيقسم الثلثان بين الورثة على قدر سهامهم ويوقف الثلث، فما خرج من غلته قسم بين الورثة كلهم على قدر سهامهم ما عاشت البنتان، فإذا ماتتا صرفت الغلة إلى أولادهما وأولاد أولادهما كما شرط الواقفة لا حق للورثة في ذلك. رجل وقف دارا له في مرضه على ثلاث بنات له وليس له وارث غيرهن قال الثلث من الدار وقف والثلثان مطلق له يصنعن بهما ما شئن.
قال الفقيه أبو الليث: هذا إذا لم يجزن، أما إذا أجزن صار الكل وقفا عليهن اه. والحاصل أن المريض إذا وقف على بعض ورثته ثم من بعدهم على أولادهم ثم على الفقراء، فإن أجاز الوارث الآخر كان الكل وقفا واتبع الشرط وإلا كان الثلثان ملكا بين الرثة والثلث وقفا مع أن الوصية للبعض لا تنفذ في شئ لأنه لم يتمحض للوارث لأنه بعده لغيره فاعتبر الغير بالنظر إلى الثلث، واعتبر الوارث بالنظر إلى غلة الثلث الذي صار وقفا فلا يتبع الشرط ما دام الوارث حيا، وإنما تقسم غلة هذا الثلث بين الورثة على فرائض الله تعالى، فإذا انقرض الوارث الموقوف عليه اعتبر شرطه في غلة الثلث. وإن وقف على غير الورثة ولم يجيزوا كان