الإمام لكن قيل لا يجوز الوقف عنده أصلا كما صرح به في الأصل لأن المنفعة معدومة والتصدق بالمعدوم لا يصح، والأصح أنه جائز عنده إلا أنه غير لازم بمنزلة العارية، كذا في الهداية وغيرها. وفي فتح القدير: وإذا لم يزل عند أبي حنيفة قبل الحكم يكون موجب القول المذكور حبس العين على ملك الواقف والتصدق بالمنفعة. ولفظ حبس إلى آخره لا معنى له لأن له بيعه متى شاء وملكه مستمر فيه كما لو لم يتصدق بالمنفعة فلم يحدث الواقف إلا مشيئة التصدق بمنفعته، وله أن يترك ذلك متى شاء. وهذا القدر كان ثابتا قبل الوقف بلا ذكر لفظ الوقف فلم يفد الوقف شيئا وهذا معنى ما ذكر في المبسوط من قوله كان أبو حنيفة لا يجيز الوقف. وحينئذ فقول من أخذ بظاهر هذا اللفظ فقال الوقف عند أبي حنيفة لا يجوز صحيح لأنه ظهر أنه لم يثبت به قبل الحكم حكم لم يكن، وإذا لم يكن له أثر زائد على ما كان قبله كان كالمعدوم، والجواز والنفاذ والصحة فرع اعتبار الوجود ومعلوم أن قوله لا يجوز ولا يجيز ليس المراد التلفظ بلفظ الوقف بل لا يجيز الأحكام التي ذكر غيره أنها أحكام ذكر الوقف فلا خلاف إذا، فأبو حنيفة قال لا يجوز الوقف أي لا تثبت الأحكام التي ذكرت له إلا أن يحكم به حاكم. وقوله بمنزلة العارية لأنه ليس له حقيقة العارية لأنه إن لم يسلمه إلى غيره فظاهر، وإن أخرجه إلى غيره فذلك الغير ليس هو المستوفي لمنافعه اه. وفيه نظر لأن قوله لم يفد الوقف شيئا غير صحيح لأنه يصح الحكم به ولولا صحته الوقف لم يصح الحكم به ويحل للفقير أن يأكل منه ولولا صحته لم يحل، وثياب الواقف عليه ولولا صحته ما أثيب فكيف يقال لم يفد شيئا؟ وفي البزازية: معنى الجواز جواز صرف الغلة إلى تلك الجهة ويتبع شرطه ويصح نصب المتولي عليه فإذا أثبتت هذه الأحكام كيف يقال لم يفد شيئا أو أنه لم يثبت به حكم لم يكن. وقوله من أخذ بظاهر اللفظ إلى آخره ليس بصحيح لأن ظاهره عدم الصحة ولم يقل به أحد وإلا لزم أن لا يصح الحكم به ولذا رد شمس الأئمة على من ظن أنه غير جائز عنده أخذا فمن ظاهر المبسوط قال: وإنما المراد أنه غير لازم كما في الظهيرية.
والحاصل أنه لا خلاف في صحته وإنما الخلاف في لزومه فقال بعدمه وقالا به فلا يباع ولا يورث ولفظ الواقف ينتظمهما والترجيح بالدليل. وقد أكثر الخصاف من الاستدلال لهما بوقوف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وقد كان أبو يوسف مع الإمام حتى حج مع الرشيد ورأي وقوف الصحابة رضي الله عنهم بالمدينة ونواحيها رجع وأفتى بلزومه. ولقد استبعد محمد قول أبي حنيفة في الكتاب لهذا وسماه تحكما على الناس من غير حجة وقال: