البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٥ - الصفحة ٢٨٩
النقدين المكيل والموزون والمعدود المتقارب، ولا خلاف فيه بيننا قبل الخلط لأنها عروض محضة، وكذا إن خلطا ثم اشتركا عند أبي يوسف فلكل منهما متاعه بحصة ربحه ووضيعته.
وعند محمد تصح وتصير شركة عقد إذا كان المخلوط جنسا واحدا. وثمرة الاختلاف تظهر في اشتراط التفاضل في الربح فعند أبي يوسف لا تصح، وعند محمد تلزم، وقول أبي يوسف هو ظاهر الرواية عن أبي حنيفة لأنه يتعين بالتعيين فكان عرضا محضا. ولو اختلفا جنسا كالحنطة والشعير والزيت والسمن فخلطا لا تنعقد الشركة بها بالاتفاق. والفرق لمحمد أن المخلوط من جنس واحد من ذوات الأمثال، ومن جنسين من ذوات القيم فتتمكن الجهالة كما في العروض، وإذا لم تصح الشركة فحكم الخلط سيأتي في كتاب الوديعة. ولم يقيد المصنف المال بالحضرة ولا بد منه. قال في القنية: عقدا شركة عنان بالدنانير ورأس مال أحدهما غائب لا تصح، ولو دفعه بعد الافتراق عن المجلس ليشتري الشريك بالمالين على ذلك العقد تنعقد الشركة بالدفع اه‍. وفي البزازية: لا تصح بمال غائب أو دين ولا بد من أن يكون المال حاضرا مفاوضة كانت أو عنانا. وأراد عند عقد الشراء لا عند عقد الشركة فإنه لو لم يوجد عند عقدها تجوز ألا ترى أنه لو دفع إلى رجل ألفا وقال اخرج مثلها أو اشتر بها وبع والحاصل بيننا أنصافا ولم يكن المال حاضرا وقت الشركة فبرهن المأمور على أنه فعل ذلك وأحضر المال وقت الشراء جاز اه‍. وفي الذخيرة: إذا قال لغيره أقرضني ألفا أتجر بها ويكون الربح بيننا فأقرضه ألفا فاتجر بها وربح فالربح كله للمستقرض لا شكرة للمقرض فيه، ولو دفع إلى رجل ألفا وقال اشتر بها بيني وبينك نصفين والربح لنا والوضيعة علينا فهلك المال قبل أن يشتري فلا ضمان عليه، وهذا ليس بقرض وإنما هو شركة، ولو اشترى بالمال ثم هلك المال فعلى الآمر ضمان نصف المال وعلى المشتري نصف ذلك اه‍.
قوله: (ولو باع كل عرضه بنصف عرض الآخر وعقد الشركة صح) بيان للحيلة في صحة الشركة بالعروض فإن فساده بها ليس لذاتها بل للازم الباطل من أمرين: أحدهما لزوم ربح ما لم يضمن. والثاني جهالة رأس مال كل منهما عند القسمة، وكل منهما منتف في هذه الصورة فيكون كل ما يربحه الآخر ربح ما هو مضمون عليه ولا تحصل جهالة في رأس مال كل منهما عند القسمة حتى يكون ذلك بالحرز فتقع الجهالة لأنهما مستويان في المال شريكان فيه فبالضرورة يكون كل ما يحصل بينهما نصفان. وفي قوله وعقد الشركة إشارة إلى أن بالبيع صارت شركة ملك حتى لا يجوز لكل واحد أن يتصرف في نصيب الآخر، ثم بالعقد بعده صارت شركة عقد فيجوز لكل منهما أن يتصرف في نصيب صاحبه، كذا في التبيين.
(٢٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 284 285 286 287 288 289 290 291 292 293 294 ... » »»
الفهرست