البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٥ - الصفحة ٢٨٤
قوله أن تضمنت وكالة زائد لأنه لا يخص المفاوضة لأن كل عقد شركة يتضمنها ولا تصح إلا بها. والمراد إنما هو بيان خصائصها ولذا ذكر في المحيط أن حكمها صيرورة كل واحد منهما وكيلا عن صاحبه في التجارة في النصف، وإذا كان لأحدهما دنانير وللآخر دراهم أو لأحدهما سود وللآخر بيض جازت المفاوضة إذا استوت قيمتها في ظاهر الرواية لأنهما متحدا الجنس من حيث المعنى، وروى الحسن أنه لا يجوز لأن المساواة بينهما لا تعرف إلا بالقيمة وهي مجهولة، وإن تفاضلا في القيمة لا تجوز المفاوضة في ظاهر الرواية، كذا في المحيط قوله: (فلا تصح بين حر وعبد وصبي وبالغ) تفريع على اشتراط المساواة في التصرف لأن الحر البالغ يملك التصرف والكفالة والمملوك لا يملك واحدا منهما إلا بإذن المولى والصبي لا يملك الكفالة ولا يملك التصرف إلا بإذن الولي. أطلق العبد فشمل المكاتب وأشار إلى أنها لا تصح بين العبدين والمكاتبين والصبيين لأن الصبيين ليسا أهلا للكفالة ولو بإذن الولي، وأما العبدان وإن كانا أهلا لها بإذن المولى لكن يتفاضلان فيها لأنهما يتفاوتان في القيمة وقضية المفاوضة صيرورة كل واحد منهما كفيلا بجميع ما لزم صاحبه ولم يتحقق، كذا في المحيط قوله: (ومسلم وكافر) أي لا تصح بينهما لعدم المساواة في الدين وهذا قولهما.
وقال أبو يوسف: تجوز للتساوي بينهما في الوكالة والكفالة ولا معتبر بزيادة تصرف يملكه أحدهما كالمفاوضة بين الشفعوي والحنفي فإنها جائزة، ويتفاوتان في التصرف في متروك التسمية إلا أنه يكره لأن الذمي لا يهتدي إلى الجائز من العقود. ولهما أنه لا تساوي في التصرف فإن الذمي لو اشترى برأس المال خمورا أو خنازير صح ولو اشتراها المسلم لا يصح.
أطلق الكافر فشمل المرتد ولذا قال في المحيط: شارك المسلم المرتد مفاوضة أو عنانا لم تجز عند أبي حنيفة إن قتل على ردته أو لحق بدار الحرب وإن أسلم جازت. وعندهما تجوز العنان دون المفاوضة وإن شارك المسلم مرتدة صحت عنانا لا مفاوضة، وينبغي أن تجوز المفاوضة عند أبي يوسف وتكره لأن تصرفات المرتدة نافذة بالاجماع فساوت المسلم في التجارات وضمانها كالمسلم مع الذمي عنده. لهما أنها وإن ساوت المسلم في التجارات لكنها أدون من المسلم في بعض ما يستفاد بالتجارة فإن المرتدة لو اشترت عبدا مسلما أو مصحفا فإنه لا يبقى بيدها ولا يقر على ملكها بخلاف المسلم، وغير المتقرر لا يساوي المتقرر. وقيد بالمسلم والكافر لأنها تجوز بين الذميين وإن كان أحدهما كتابيا والآخر مجوسيا لاستوائهما في التجارة وضمانها لأن الكتابي لو أجر نفسه للذبح يطالب به المجوسي وإن كان لا يقدر على الذبح بنفسه لأنه يقدر عليه بالمعين أو الأجير، وهذا المجوسي لو آجر نفسه للذبح صح كالقصار مع الخياط إذا تفاوضا صار كل واحد منهما مطالبا بما على الآخر لأنه يقدر عليه بمعين أو أجير، كذا في المحيط. ولو ارتد أحد المتفاوضين بطلت المفاوضة أصلا وقالا: تصير عنانا، كذا في
(٢٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 279 280 281 282 283 284 285 286 287 288 289 ... » »»
الفهرست