البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٥ - الصفحة ٢٤٧
من عبد ادعى أنه ابنه لأنه ينفعه وكان حرا لأن المملوك قد تلد له الحرة فلا تبطل الحرية الظاهرة بالشك، وقد منا أن الحر في دعوته اللقيط أولى من العبد كما أن المسلم أولى من الذمي ترجيحا لما هو إلا نظر في حقه. أطلق في قوله وهو حر فشمل ما إذا قال العبد هو ابني من زوجتي وهي أمة فصدقه مولاها لأنه حر باعتبار الأصل فلا تبطل الحرية بتصادق العبد وسيدها، وهذا قول محمد. وقال أبو يوسف: يكون عبدا لسيدها لأن الأمة أمه فإذا ثبت النسب منها ثبت ما هو من ضروراته وهو الرق إذ يستحيل أن يكون المولود بين رقيقين حرا بخلاف الذمي على ما بينا. قلنا: لا يستحيل ذلك لأنه يجوز عتقه قبل الانفصال وبعده فلا تبطل الحرية الثابتة بالدار بالشك، كذا في التبيين. وظاهره ترجيح قول محمد. وفي آخر جامع الفصولين قيل، قد يكون الولد حرا من زوجين قنين بلا تحرير ووصية وصورته أن يكون للحر ولد وهو قن لأجنبي فزوج الأب أمته من ولده برضا مولاه فولدت الأمة ولدا فهو حر لأنه ولد ولد المولى اه‍. وفي التبيين: ولو ادعاه حران أحدهما أنه ابنه من هذه الحرة والآخر من الأمة فالذي يدعي أنه من الحرة أولى لكونه أكثر إثباتا لكونه يثبت جميع أحكام النسب ولو كانت الأمة سرية له لأنه يثبت الأحكام من جانب والآخر من جانبين فكان أولى.
قوله: (ولا يرق إلا ببينة) لأنه حر ظاهرا فإذا أقام بينة أنه عبده قبلت وكان عبده، لا يقال هذه البينة ليست على خصم فلا تقبل لأن الملتقط خصم لأنه أحق بثبوت يده عليه فلا تزول إلا ببينة هنا، وإنما قلنا هنا كيلا ينقص بما إذا ادعى خارج نسبه فإن يده تزول بلا بينة على الأوجه، والفرق أن يده اعتبر لمنفعة الولد، وفي دعوى النسب منفعة تفوق المنفعة التي أوجبت اعتبار يد الملتقط فتزال لحصول ما يفوق المقصود من اعتبارها، وهنا ليس دعوى العبدية كذلك بل هو بما يضره لتبديل صفة المالكية بالمملوكية فلا تزال إلا ببينة، ويشترط في قبولها إسلامهم لأنه مسلم بالدار وباليد فلا يحكم عليه بشهادة الكفار إلا إذا اعتبر كافرا بوجوده في موضع أهل الذمة على ما بينا. وفي المحيط: وإن ادعى الملتقط أنه عبده إن لم يقر بأنه لقيط فالقول قوله لأن الصغير في يده، وإن أقر أنه لقيط لا يصدق في دعواه إلا ببينة.
قيد بالبينة لأنه لا يرق بإقراره لمدعيه فلو صدقه اللقيط قبل البلوغ لا يسمع تصديقه لأنه يضر به نفسه بعد الحكم بالحرية بخلاف ما إذا كان صغيرا في يد رجل فادعى أنه عبده وصدقه الغلام فإنه يكون عبدا له وإن لم يدرك لأنه لم يعرف إلا في يده وإن رد لا يصح لقيام يده من وجه، وإن بلغ فأقر أنه عبد فلان وفلان يدعيه إن كان قبل أن يقضي عليه بما لا يقضي به إلا على الأحرار كالحد الكامل ونحوه صح إقراره وصار عبدا لأنه غير متهم فيه، وإن كان بعد القضاء بنحو ذلك لا يقبل ولا يصير به عبدا لأن فيه إبطال حكم الحاكم، ولأنه مكذب في ذلك شرعا فهو كما لو كذبه الذي أقر له بالرق. ولو كان اللقيط امرأة فأقرت بالرق بعدما كبرت أو كان بعد التزوج صح وكانت أمة للمقر له، ولا تصدق في إبطال النكاح لأن
(٢٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 242 243 244 245 246 247 248 249 250 251 252 ... » »»
الفهرست