البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٥ - الصفحة ٢٤٤
من الجانبين، والقياس أن لا يثبت إلا ببينة، وهذا إذا لم يظهر كذبه ولذا قال في الظهيرية:
لو انفرد رجل بالدعوى وقال هو غلام فإذا هو جارية أو قال هو جارية فإذا هو غلام لا يقضي له أصلا اه‍. وهذا كله حالة الحياة، أما بعد الموت فقال في الخانية: وإذا مات اللقيط وترك مالا أو لم يترك فادعى رجل بعد موته أنه ابنه لا يصدق إلا بحجة اه‍.
قوله: (ومن اثنين) أي ويثبت نسبه من اثنين إذا ادعياه معا ولا مرجح لاستوائهما في السبب. وقيده في الخانية بأن يقول كل واحد منهما هو ولدي من جارية مشتركة بينهما. قيد بالاثنين لأن فيما زاد على الاثنين اختلافا فروي عن الإمام أنه جوز إلى خمسة. وقال أبو يوسف: يثبت من اثنين ولا يثبت من أكثر من ذلك. وقال محمد: أجوز الثلاثة ولا أجوز أكثر من ذلك، كذا ذكره الأسبيجابي، ولم أر توجيه هذه الأقوال. وقيد بدعوى الرجل لأن المدعي لو كان امرأة ادعت أنه ابنها فإن صدقها زوجها أو شهدت لها القابلة أو قامت البينة صحت دعوتها وإلا فلا، لأن فيه حمل نسب الغير على الغير وأنه لا يجوز. ولو ادعت امرأتان وأقامت إحداهما البينة فهي أولى به، وإن أقامتا جميعا فهو ابنهما عند أبي حنيفة، وعند أبي يوسف لا يكون لواحدة منهما. وعن محمد روايتان: في رواية أبي حفص يجعل ابنهما، وفي رواية أبي سليمان لا يجعل ابن واحدة منهما، كذا في البدائع. واعلم أن شهادة القابلة إنما يكتفى بها فيما إذا كان لها زوج منكر للولادة، أما إذا لم يكن لها زوج فلا بد من شهادة رجلين كما صرح به في الخانية. وفيها: لو أقامت إحداهما رجلين والأخرى امرأتين يجعل ابنا للذي شهد لها رجلان، ولو ادعت امرأتان اللقيط أنه ابنهما كل واحدة منهما تقيم البينة على رجل على حدة بعينه أنها ولدته منه قال أبو حنيفة: يصير ولدهما من الرجلين جميعا.
وقالا: لا يصير ولدهما ولا ولد الرجلين اه‍. وفي الظهيرية: رجلان ادعيا نسب اللقيط وأقاما البينة وأرخت بينة كل واحدة منهما يقضي لمن يشهد له سن الصبي، فإن كان سن الصبي مشتبها لم يوافق كلا من التاريخين فعلى قولهما يسقط اعتبار التاريخ ويقضي به بينهما باتفاق الروايات، وأما على قول أبي حنيفة فقد ذكر خواهر زاده أنه يقضي به بينهما في رواية أبي حفص، وفي رواية أبي سليمان يقضي لأقدمهما تاريخا اه‍. وفي التتارخانية أنه يقضي به بينهما في عامة الروايات وهو الصحيح. وقيدنا بكونهما ادعياه معا لأنه لو سبقت دعوة أحدهما فهو ابنه لعدم النزاع، ولو ادعى الآخر بعده لا يقبل منه إلا ببينة لأن البينة أقوى،
(٢٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 239 240 241 242 243 244 245 246 247 248 249 ... » »»
الفهرست