البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٤ - الصفحة ٤٧٦
وليس في كلام أبي حنيفة والمتقدمين تصريح بذلك سوى ما أخذوه من قوله كان تعالى خالقا قبل أن يخلف ورازقا قبل أن يرزق وذكروا له أوجها من الاستدلال. والأشاعرة يقولون ليست صفة التكوين على فصولها سوى صفة القدرة باعتبار تعلقها بتعلق خاص، فالتخليق هو القدرة باعتبار تعلقها بالمخلوق، والترزيق تعلقها بإيصال الرزق إلى آخر ما ذكره فيها. وأما كونه خالفا بقوله أقسم أو أحلف أو أشهد وإن لم يقل بالله فلان هذه الألفاظ مستعملة في الحلف وهذه الصيغة للحال حقيقة وتستعمل للاستقبال بقرينة فجعل حالفا للحال والشهادة يمين قال الله تعالى * (قالوا نشهد أنك رسول الله) * [المنافقون: 1] ثم قال * (اتخذوا ايمانهم جنة) * [المنافقون: 2] والحلف بالله هو المعهود المشروع وبغيره محظور فيصرف إليه. وأشار إلى أنه لو قال حلفت أو أقسمت أو شهدت بالله أو لم يقل بالله فإنه يمين بالأولى. وأطلق في كونه يمينا بلفظ المضارع فأفاد أنه لا يتوقف على النية كما في غاية البيان. وذكر في الهداية خلافا فيه. وصحح في التبيين أنه يكون يمينا بلا نية. وأراد المصنف بهذه الألفاظ أن كلا منها يصلح أن يكون قسما فإن ذكر المقسم عليه انعقدت اليمين فيحنث إذا نقضها فتجب عليه الكفارة وإلا فلا. وقد ذكر محمد هذه الألفاظ كلها في الأصل ثم قال بعدها: فهذه كلها أيمان فإذا حلف بشئ منها ليفعلن كذا وكذا فحنث وجبت عليه الكفارة ا ه‍. وفي المجتبى:
أشهد ليس بيمين ما لم يعلقه بالشرط، وقوله علي نذر يمين وإن سكت. وفي المنتفى وجامع الكرخي ما يشبه خلاف مسألة النذر. قلت: فعلم بهذا أن هذه الألفاظ لا تكون يمينا ما لم يعلق بشئ ا ه‍. فظهر بهذا أن ما في النهاية من أن قوله أقسم أو أشهد أو على يمين تنعقد يمينا سواء ذكر المقسم عليه أو لا مستدلا بما ذكر في الذخيرة أن قوله على يمين موجب للكفارة فهو سهو كما في غاية البيان وتوهم وخبط كما في فتح القدير، بل لا بد من ذكر المقسم عليه، وإنما ترك ذكره في بعض المواضع للعلم به وهو مراد صاحب الذخيرة، وتحقيقه أن الكفارة إنما تجب لستر الذنب في نقض اليمين المنعقدة فعلى أي شئ انعقدت اليمين حتى يتصور نقض اليمين فتجب الكفارة. وأيضا قوله على يمين فيه احتمال لأنه يصح عليه أن يكون يمين الغموس أو اليمين المنعقدة والكفارة لا تثبت بالاحتمال لأنها دائرة بين العبادة والعقوبة والعقوبات تندرئ بالشبهات وذلك أنه ليس في الغموس كفارة، وكذا في المنعقدة عند قيام البر فكيف تتصور الكفارة؟ وأيضا لو وجبت الكفارة بمجرد قوله على يمين يلزم تقديم المسبب على السبب وهو فاسد لأن سبب الكفارة الحنث ولم يوجد لعدم انعقاد اليمين على شئ إلى آخر ما في غاية البيان إلا أنه في فتح القدير قال: والحق أن قوله علي يمين إذا لم يزد عليه على وجه الانشاء لا الاخبار يوجب الكفارة بناء على أنه التزام الكفارة بهذه العبارة ابتداء كما يأتي في قوله علي نذر إذا لم يزد عليه فإنه مثله من صيغ النذر ولو لم يكن كذلك لغا بخلاف احلف و اشهد ونحوهما ليست من صيغ النذر فلا يثبت به الالتزام ابتداء ا ه‍.
(٤٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 471 472 473 474 475 476 477 478 479 480 481 ... » »»
الفهرست