البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٣ - الصفحة ٢٩
الاحرام كالحج وقد صرحوا بفساده في مواضع عديدة في هذا الفصل. ومعنى بقائه عدم الخروج عنه بغير الافعال، ومعنى الافتراق الذي ليس بواجب أن يأخذ كل واحد منهما في طريق غير طريق صاحبه، وإنما لم يجب لأن الجامع بينهما وهو النكاح قائم فلا معنى للافتراق قبل الاحرام لإباحة الوقوع، ولا بعده لأنهما يتذاكران ما لحقهما من المشقة الشديدة بسبب لذة صغيرة فيزدادان ندما وتحرزا لكنة مستحب إذا خاف الوقاع كما في المحيط وغيره قوله: (وبدنة لو بعده ولا فساد) أي يجب بدنة لو جامع بعد الوقوف بعرفة قبل الحلق ولا يفسد حجه للحديث من وقف بعرفة فقد تم حجه أي أمن من فساده لبقاء الركن الثاني وهو الطواف. ووجوب البدنة مروي عن ابن عباس، والأثر فيه كالخبر. أطلقه فشمل ما إذا جامع مرة أو مرارا إن اتحد المجلس، وأما إذا اختلف فبدنة للأول وشاة للثاني في قولهما.
وقال محمد: إن ذبح للأول فيجب للثاني شاة وإلا فلا. ذكره الأسبيجابي، وعلل له في المبسوط بأنه دخل إحرامه نقصان بالجماع الأول وبالجماع الثاني صادف إحراما ناقصا فيكفيه شاة.
قوله: (أو جامع بعد الحلق) معطوف على قوله أول الفصل قبل أي يجب شاة إن جامع بعد الحلق قبل الطواف لقصور الجناية لوجود الحل الأول بالحلق. ثم اعلم أن أصحاب المتون على ما ذكره المصنف من التفصيل فيما إذا جامع بعد الوقوف، فإن كان قبل الحلق فالواجب بدنة، وإن كان بعده فالواجب شاة. ومشى جماعة من المشايخ كصاحب المبسوط والبدائع والأسبيجابي على وجوب البدنة مطلقا. وقال في فتح القدير: إنه الأوجه لأن إيجابها ليس إلا بقول ابن عباس والمروي عنه ظاهره فيما بعد الحلق. ثم المعنى يساعده وذلك لأن وجوبها قبل الحلق ليس إلا للجناية على الاحرام، ومعلوم أن الوطئ ليس جناية عليه إلا باعتبار تحريمه لاعتبار تحريمه لغيره، فليس الطيب جناية على الاحرام باعتبار تحريمه الجماع أو الحلق بل باعتبار تحريمه للطيب، وكذا كل جناية على الاحرام ليست جناية عليه إلا باعتبار تحريمه لها لا لغيرها فيجب أن يستوي ما قبل الحلق وما بعده في حق الوطئ لأن الذي به كان جناية قبله بعينه ثابت بعده، والزائل لم يكن الوطئ جناية باعتباره لا جرم أن المذكور في ظاهر الرواية إطلاق لزوم البدنة بعد الوقوف من غير تفصيل بين كونه قبل الحلق أو بعده
(٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 ... » »»
الفهرست