البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٢ - الصفحة ٥٠٨
المستحاضة، وفي الصوم باستغراق الشهر ليله ونهاره، وفي الزكاة باستغراق الحول، وأبو يوسف جعل أكثره ككله. وأما الصغير فقبل أن يعقل كالجنون الممتد فإذا عقل تأهل للأداء دون الوجوب إلا الايمان، وأما النائم فلكون النوم موجبا للعجز لزم تأخير خطاب الأداء لا أصل الوجوب ولذا وجب القضاء إذا زال بعد الوقت. ولما كان لا يمتد غالبا لم يسقط به شئ من العبادات لعدم الحرج والاغماء فوقه، فإن امتد في الصلوات بأن زاد على يوم وليلة جعل عذرا مسقطا لها دفعا للحرج لكونه غالبا ولم يجعل عذرا في الصوم لأن امتداده شهرا نادر فلم يكن في إيجابه حرج وبهذا ظهر أن الاعذار أربعة: صبا وجنون وإغماء ونوم. وقد علم أحكامها والله الموفق للصواب.
قوله (وبامساك بلا نية صوم وفطر) أي يجب القضاء لأن المستحق هو الامساك بجهة العبادة ولا عبادة إلا بالنية، وأما هبة النصاب من الفقير فإنها تسقط الزكاة بدون نيتها باعتبار وجود نية القربة. وفي غاية البيان: وقد مر أن المغمى عليه لا يقضي اليوم الذي حدث الاغماء في ليلته لوجود النية منه ظاهرا فلا بد من التأويل لهذه المسألة. وتأويلها أن يكون مريضا أو مسافرا لا ينوي شيئا أو متهتكا اعتاد الاكل في رمضان فلم يكن حاله دليلا على عزيمة الصوم اه‍. وكذا في النهاية. ورده في فتح القدير بأنه تكلف مستغنى عنه لأن الكلام عند عدم النية ابتداء لا بأمر يوجب النسيان ولا شك أنه أدرى بحاله بخلاف من أغمي عليه فأن الاغماء قد يوجب نسيانه حال نفسه بعد الإفاقة فبنى الامر فيه على الظاهر من حاله وهي وجود النية.
وأشار بوجب القضاء فقط إلى عدم وجوب الكفارة لو أكل لأنه غير صائم، وهذا عند أبي حنيفة، وعندهما كذلك إن أكل بعد الزوال، وإن أكل قبل الزوال تجب الكفارة لأنه فوت إمكان التحصيل فصار كغاصب الغاصب قوله (ولو قدم مسافر أو طهرت حائض أو تسحر يظنه ليلا والفجر طالع أو أفطر كذلك والشمس حية أمسك يومه وقضى ولم يكفر كأكلة عمدا بعد أكله ناسيا ونائمة ومجنونة وطئتا) لما قدمنا أن كل من صار أهلا للزوم ولم يكن كذلك في أول اليوم فإنه يجب عليه الامساك لأنه وجب قضاء لحق الوقت لأنه وقت معظم. وإنما وجب القضاء على المسافر والحائض لما تقدم أن أصل الوجوب ثابت عليهما، وإنما المتأخر وجوب الأداء بخلاف الصبي إذا بلغ والكافر إذا أسلم فإنه وإن وجب عليهما الامساك أيضا لم يجب القضاء لعدم الوجوب في حقهما أول الجزء من اليوم كما بيناه، وكذا لو تسحر وهو يظن بقاء الليل فبان خلافه أو أفطر ظانا زوال اليوم فبان خلافه وجب الامساك قضاء لحق الوقت بالقدر الممكن أو
(٥٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 503 504 505 506 507 508 509 510 511 512 513 ... » »»
الفهرست