البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٢ - الصفحة ٥٠٤
بغير إذنه. ولو كان المولى غائبا فإنه لم يكن مبقي على أصل الحرية في العبادات إلا في الفرائض، وأما في النوافل فلا. وفي القنية: وللزوج أن يمنع زوجته عن كل ما كان الايجاب من جهتها كالتطوع والنذر واليمين دون ما كان من جهته تعالى كقضاء رمضان، وكذا العبد إلا إذا ظاهر من امرأته لا يمنعه من كفارة الظهار بالصوم لتعلق حق المرأة به. ثم اعلم أن افساد الصوم أو الصلاة بعد الشروع فيها مكروه - نص عليه في غاية البيان - وليس بحرام لأن الدليل ليس قطعي الدلالة كما أوضحه في فتح القدير.
قوله: (ولو بلغ أو أسلم كافر أمسك يومه ولم يقض شيئا) فالامساك قضاء لحق الوقت بالتشبه وعدم القضاء لعدم وجوب الصوم عليهما فيه. وأطلق الامساك ولم يبين صفته للاختلاف فيه، والأصح الوجوب لموافقته للدليل وهو ما ثبت من أمره عليه الصلاة والسلام بالامساك لمن أكل في يوم عاشوراء حين كان واجبا. وأطلق في عدم القضاء فشمل ما إذا أفطرا في ذلك اليوم أو صاماه، وسواء كان قبل الزوال أو بعده، لأن الصوم لا يتجزى وجوبا كما لا يتجزى آداء، وأهلية الوجوب منعدمة في أوله فلا يجب. وقيد بالصوم لأنه لو بلغ أو أسلم في أثناء وقت الصلاة أو في آخره وجبت عليه اتفاقا وهو قياس زفر، وفرق أئمتنا بين الصوم والصلاة بأن السبب في الصلاة الجزء المتصل بالأداء فوجدت الأهلية عنده، وفي الصوم الجزء الأول هو السبب والأهلية معدومة عند. قال في فتح القدير: وعلى هذا فقولهم في الأصول الواجب المؤقت قد يكون الوقت فيه سببا للمؤدي وظرفا له كوقت الصلاة أو سببا ومعيارا وهو ما يقع فيه مقدرا به كوقت الصوم تساهل، إذ يقتضي أن السبب ثمام الوقت فيهما وقد بان خلافه، ثم على ما بان من تحقيق المراد قد يقال: يلزم أن لا يجب الامساك في نفس الجزء الأول من اليوم لأنه هو السبب للوجوب والالزام سبق الوجوب على السبب للزوم تقدم السبب فالايجاب فيه يستدعي سببا سابقا والفرض خلافه، ولو لم يستلزم ذلك لزم كون ما ذكروه في وقت الصلوات من أن السببية تضاف إلى الجزء الأول فإن لم يؤد عقيبه انتقلت إلى ما يلي ابتداء الشروع، فإن لم يشرع إلى الجزء الأخير تقررت السببية فيه واعتبر حال المكلف عنده تكلف مستغني عنه إذ لا داعي لجعله ما يليه دون ما يقع فيه ا ه‍.
وقد يقال: إن قولهم يقتضي أن السبب تمام الوقت مسلم لو سكتوا وهم قد صرحوا بأنه لا يمكن جعل كل الوقت سببا في الصلاة، وذكروا أن السببية تنتقل من جزء إلى جزء. وقوله ثم على ما بان إلى آخره فيه بحث، أما على اختيار شمس الأئمة السرخسي من أن السببية لليالي والأيام فقد وجد السبب بالليلة فالامساك إنما وجب في الجزء الأول باعتبار سبق
(٥٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 499 500 501 502 503 504 505 506 507 508 509 ... » »»
الفهرست