لك فإن شئت فأقر وإن شئت فلا تقر وهو في يد القاضي على حاله لم يجز هذا الاقرار لان كينونته في يده حبس منه له وإنما كان هدده بالحبس فما دام حابسا له كان أثر ذلك الاكراه باقيا وقوله لا أحبسك نوع غرور وخداع منه فلا ينعدم به أثر ذلك الاكراه ولان الظاهر أنه إنما أقر لأجل اقراره المتقدم فإنه علم أنه لا ينفعه الانكار وانه إذا تناقض كلامه يزداد التشديد عليه بخلاف الأول فهناك قد خلى سبيله وصار بحيث يتمكن من الذهاب ان شاء فينقطع به أثر ذلك الاكراه وان خلى سبيله ولم يتوار عن بصر القاضي حتى بعث من أخذه ورده إليه فأقر بالذي أقر به أول مرة من غير أكراه جديد فان هذا ليس بشئ لأنه ما لم يتوار عن بصره فهو متمكن من أخذه وحبسه فيجعل ذلك بمنزلة ما لو كان في يده على حاله وإن كان حين رده أول مرة لم يحبسه ولكنه هدده فلما أقر قال إني لست أصنع بك شيئا فإن شئت فأقر وإن شئت فدع فأقر لم يأخذه بشئ من ذلك لأنه ما دام في يده فكأنه محبوس في سجنه فكان أثر التهديد الأول قائما أرأيت لو خلى سبيله ثم بعث معه من يحفظه ثم رده إليه بعد ذلك فأقر أكان يؤخذ بشئ من ذلك أو لا يؤخذ بهد لان يد من يحفظه له كيده في ذلك ولو أكرهه قاض بضرب أو حبس حتى يقر بسرقة أو زنا أو شرب خمر أو قتل فأقر بذلك فأقامه عليه فإن كان رجلا معروفا بما أقر به إلا أنه لا بينة عليه فالقياس أن يقتص من المكره فيما أمكن القصاص فيه ويضمن من ماله ما لا يستطاع القصاص فيه لان اقراره كان باطلا والاقرار الباطل وجوده كعدمه فبقي هو مباشرا للجناية بغير حق فليزمه القصاص فيما يستطاع فيه القصاص ولكن يستحسن أن يلزمه ضمان جميع ذلك في ماله ويدرأ القصاص لان الرجل إذا كان معروفا بما أقر به على نفسه فالذي يقع في قلب كل سامع انه صادق في اقراره لما أقر به وذلك يورث شبهة والقصاص مما يندرئ بالشبهات ولان على قول أهل المدينة رحمهم الله للامام أن يجبر المعروف بذلك الفعل على الاقرار بالضرب والحبس فان مرتكب الكبيرة قل ما يقر على نفسه طائعا وإذا أقر به مكرها عندهم يصح اقراره وتقام عليه العقوبة فيصير اختلاف العلماء رحمهم شبهة والقاضي مجتهد في ما صنع فهذا اجتهاد في موضعه من وجه فيكون مسقطا للقود عنه ولكن يلزمه المال لان المال مما يثبت مع الشبهات وبالإقرار الباطل لم تسقط حرمة نفسه وأطرافه فيصير ضامنا له مراعاة لحرمة نفسه وطرفه وإن كان المكره غير معروف بشئ مما رمى به أخذت فيه بالقياس
(٧١)