في سعة من ذلك لأنه ابتلى ببليتين فله أن يختار أهونهما عليه لحديث عائشة رضي الله عنها قالت ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين الا اختار أيسرهما ثم حرمة الطرف تابعة لحرمة النفس والتابع لا يعارض الأصل ولكن يترجح جانب الأصل ففي اقدامه على قطع اليد مراعاة حرمة نفسه وفى امتناعه من ذلك تعريض النفس وتلف النفس يوجب تلف الأطراف لا محالة ولا شك ان اتلاف البعض لابقاء الكل يكون أولى من اتلاف الكل (ألا ترى) أن من وقعت في يده أكلة يباح له أن يقطع يده ليدفع به الهلاك عن نفسه وقد فعله عروة بن الزبير رضي الله عنه فهذا المكره في معنى ذلك من وجه لأنه يدفع الهلاك عن نفسه بقطع طرفه الا انه قيده بالمشيئة هنا لان هذا ليس في معنى الأكلة من كل وجه وحرمة الطرف كحرمة النفس من وجه فلهذا تحرز عن الاثبات في الجواب وقال إن شاء الله في سعة من ذلك فان قطع يد نفسه ثم خاصم المكره فيه قضى القاضي له على المكره بالقود لان القطع صار منسوبا إلى المكره لما تحقق الاكراه على ما بينه في مسألة المكره على القتل فكان المكره باشر قطع يده وهذا ظاهر على قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وإنما الاشكال على قول أبى يوسف رحمه الله فإنه لا يوجب القود على المكره فقيل في هذا الفصل لا قود عليه عند أبي يوسف أيضا وليكن يلزمه أرش اليد في ماله وقيل هنا يجب القود عنده لأنه إنما يجعل المكره آلة في قتل الغير لكونه آثما لا يحل له الاقدام على القتل وهنا يحل للمكره الاقدام على قطع يده فكان هو آلة بمنزلة المكره على اتلاف المال فيجب القود على المكره ولو أكرهه على أن يطرح نفسه في النار بوعيد قتل فهو إن شاء الله في سعة من ذلك اما إن كان يرجو النجاة من النار فإنه يلقى نفسه على قصد النجاة وان كأن لا يرجو النجاة فكذلك الجواب لان من الناس من يختار ألم النار على ألم السيف ومنهم من يختار ألم السيف وربما يكون في النار بعض الراحة له وإن كان يأتي على نفسه وقيل على قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله لا يسعه أن يلقى نفسه إذا كأن لا يرجوا النجاة فيه لأنه لو ألقى نفسه صار مقتولا بفعل نفسه ولو امتنع من ذلك صار مقتولا بفعل المكره وحيث يسعه الالقاء فلوليه القود على المكره وهذا لا يشكل عند أبي حنيفة ومحمد وكذلك عند أبي يوسف في الصحيح من الجواب لأنه لما أبيح له الاقدام صار آلة للمكره وكذلك لو أكرهه على أن يطرح نفسه من فوق بيت إلا أن في هذا الموضع عند أبي حنيفة لا يجب القود كما لو ألقاه المكره بنفسه وعندهما إذا كان
(٦٧)