المبسوط - السرخسي - ج ٢٤ - الصفحة ٦٧
في سعة من ذلك لأنه ابتلى ببليتين فله أن يختار أهونهما عليه لحديث عائشة رضي الله عنها قالت ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين الا اختار أيسرهما ثم حرمة الطرف تابعة لحرمة النفس والتابع لا يعارض الأصل ولكن يترجح جانب الأصل ففي اقدامه على قطع اليد مراعاة حرمة نفسه وفى امتناعه من ذلك تعريض النفس وتلف النفس يوجب تلف الأطراف لا محالة ولا شك ان اتلاف البعض لابقاء الكل يكون أولى من اتلاف الكل (ألا ترى) أن من وقعت في يده أكلة يباح له أن يقطع يده ليدفع به الهلاك عن نفسه وقد فعله عروة بن الزبير رضي الله عنه فهذا المكره في معنى ذلك من وجه لأنه يدفع الهلاك عن نفسه بقطع طرفه الا انه قيده بالمشيئة هنا لان هذا ليس في معنى الأكلة من كل وجه وحرمة الطرف كحرمة النفس من وجه فلهذا تحرز عن الاثبات في الجواب وقال إن شاء الله في سعة من ذلك فان قطع يد نفسه ثم خاصم المكره فيه قضى القاضي له على المكره بالقود لان القطع صار منسوبا إلى المكره لما تحقق الاكراه على ما بينه في مسألة المكره على القتل فكان المكره باشر قطع يده وهذا ظاهر على قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وإنما الاشكال على قول أبى يوسف رحمه الله فإنه لا يوجب القود على المكره فقيل في هذا الفصل لا قود عليه عند أبي يوسف أيضا وليكن يلزمه أرش اليد في ماله وقيل هنا يجب القود عنده لأنه إنما يجعل المكره آلة في قتل الغير لكونه آثما لا يحل له الاقدام على القتل وهنا يحل للمكره الاقدام على قطع يده فكان هو آلة بمنزلة المكره على اتلاف المال فيجب القود على المكره ولو أكرهه على أن يطرح نفسه في النار بوعيد قتل فهو إن شاء الله في سعة من ذلك اما إن كان يرجو النجاة من النار فإنه يلقى نفسه على قصد النجاة وان كأن لا يرجو النجاة فكذلك الجواب لان من الناس من يختار ألم النار على ألم السيف ومنهم من يختار ألم السيف وربما يكون في النار بعض الراحة له وإن كان يأتي على نفسه وقيل على قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله لا يسعه أن يلقى نفسه إذا كأن لا يرجوا النجاة فيه لأنه لو ألقى نفسه صار مقتولا بفعل نفسه ولو امتنع من ذلك صار مقتولا بفعل المكره وحيث يسعه الالقاء فلوليه القود على المكره وهذا لا يشكل عند أبي حنيفة ومحمد وكذلك عند أبي يوسف في الصحيح من الجواب لأنه لما أبيح له الاقدام صار آلة للمكره وكذلك لو أكرهه على أن يطرح نفسه من فوق بيت إلا أن في هذا الموضع عند أبي حنيفة لا يجب القود كما لو ألقاه المكره بنفسه وعندهما إذا كان
(٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الأشربة 2
2 باب التعزير 35
3 باب من طبخ العصير 37
4 كتاب الاكراه 38
5 باب ما يكره عليه اللصوص غير المتأولين 47
6 باب الاكراه على العتق والطلاق والنكاح 62
7 باب ما يكره أن يفعله بنفسه أو ماله 66
8 باب تعدي العامل 72
9 باب الاكراه على دفع المال وآخذه 78
10 باب من الاكراه على الاقرار 83
11 باب من الاكراه على النكاح والخلع والعتق والصلح عن دم العمد 85
12 باب الاكراه على الزنا والقطع 88
13 باب الاكراه على البيع ثم يبيعه المشتري من آخر أو يعتقه 93
14 باب الاكراه على ما يجب به عتق أو طلاق 100
15 باب الإكراه على النذر و اليمين 105
16 باب اكراه الخوارج المتأولين 108
17 باب ما يخالف المكره فيه أمر به 109
18 باب الاكراه على أن يعتق عبده عن غيره 112
19 باب الاكراه على الوديعة وغيرها 119
20 باب التلجئة 122
21 باب العهدة في الاكراه 128
22 باب ما يخطر على بال المكره من غير ما أكره عليه 129
23 باب زيادة المكره على ما أمره به 132
24 باب الخيار في الاكراه 135
25 باب الاكراه فيما يوجب لله عليه أن يؤديه اليه 144
26 باب الاكراه في الوكالة 147
27 باب ما يسع الرجل في الاكراه وما لا يسعه 151
28 باب اللعان الذي يقضى به القاضي ثم يتبين أنه باطل 155
29 كتاب الحجر 156