المبسوط - السرخسي - ج ٢٤ - الصفحة ٦٩
أشار حذيفة رضي الله عنه حيث قال فتنة السوط أشد من فتنة السيف وكذلك ما دون النفس لو قيل له لتحرقن يدك بالنار أو لتقطعنها بهذا الحديد فقطعها قطعت يد الذي أكرهه إن كان واحد لتحقق الاكراه منه وإن كان عددا لم يكن عليهم في يده قود وعليهم دية اليد في أموالهم بخلاف النفس وأصل هذا الفرق في المباشرة حقيقة فإنه لو قطع جماعة يد رجل لم يلزمهم القود عندنا ولو قتلوا رجلا كان عليهم القود ويأتي هذا الفرق في كتاب الديات إن شاء الله تعالى ولو أكره بوعيد قتل على أن يطرح ماله في البحر أو على أن يحرق ثيابه أو يكسر متاعه ففعل ذلك فالمكره ضامن لذلك كله لان اتلاف المال مما يصلح أن يكون المكره فيه آلة للمكره فعند تحقق الالجاء يصير الفعل منسوبا للمكره فكأنه باشر الاتلاف بيده والشافعي في هذا لا يخالفنا لان المكره يباح له الاقدام على اتلاف المال سواء كان له أو لغيره وإذا صار الاقدام مباحا له كان هو آلة للمكره فالضمان على المكره خاصة وأصحابه خرجوا له قولين سوى هذا أحدهما أن الضمان يجب على المكره لصاحب المال لأنه هو المتلف حقيقة ثم يرجع هو على المكره لأنه هو الذي أوقعه في هذه الورطة والثاني أن الضمان عليهم نصفان لان حقيقة الاتلاف وجد من المكره والقصد إلى الاضرار وجد من المكره فكانا بمنزلة الشريكين في الاتلاف ولكن الأولى أصح لما قلنا وان أكرهه على ذلك بحبس أو قيد ففعله لم يكن على المكره ضمان ولا قود لان المكره إنما يصير كالآلة عند تمام الالجاء وهو ما إذا خاف التلف على نفسه وليس في التهديد بالحبس والقيد معنى الخوف التلف على نفسه فيبقى الفعل مقصورا على المكره فيؤاخذ بحكمه وهذا لأنه ليس في الحبس والقيد الأهم يلحقه ومن يتلف مال الغير اختيارا فإنما يقصد بذلك دفع الغم الذي يلحقه بحسده إياه على ما آتاه الله تعالى من المال فلا يجوز أن يكون ذلك مسقطا للضمان عنه ولو أكرهه بتلف على أن يأكل طعاما له أو يلبس ثوبا له فلبسه مكرها حتى تخرق لم يضمن المكره شيئا لأنه ليس بفساد بل أمره أن يصرف مال نفسه إلى حاجته وذلك لا يكون فسادا (ألا ترى) أن الأب والوصي يفعلان ذلك للصبي ولا يكون فسادا منهما ثم هذا من وجه أمر بالمعروف فان التقتير وترك الانفاق على نفسه بعد وجود السعة منهى عنه وفى الأمر بالمعروف دفع الفساد فعرفنا ان ما أمره به ليس بفساد فلا يكون سببا لوجوب الضمان على المكره بخلاف احراق المال بالنار أو طرحه في الماء فان ذلك فساد لا انتفاع بالمال ولو أكرهه بوعيد قتل على أن يقتل عبده بالسيف أو
(٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الأشربة 2
2 باب التعزير 35
3 باب من طبخ العصير 37
4 كتاب الاكراه 38
5 باب ما يكره عليه اللصوص غير المتأولين 47
6 باب الاكراه على العتق والطلاق والنكاح 62
7 باب ما يكره أن يفعله بنفسه أو ماله 66
8 باب تعدي العامل 72
9 باب الاكراه على دفع المال وآخذه 78
10 باب من الاكراه على الاقرار 83
11 باب من الاكراه على النكاح والخلع والعتق والصلح عن دم العمد 85
12 باب الاكراه على الزنا والقطع 88
13 باب الاكراه على البيع ثم يبيعه المشتري من آخر أو يعتقه 93
14 باب الاكراه على ما يجب به عتق أو طلاق 100
15 باب الإكراه على النذر و اليمين 105
16 باب اكراه الخوارج المتأولين 108
17 باب ما يخالف المكره فيه أمر به 109
18 باب الاكراه على أن يعتق عبده عن غيره 112
19 باب الاكراه على الوديعة وغيرها 119
20 باب التلجئة 122
21 باب العهدة في الاكراه 128
22 باب ما يخطر على بال المكره من غير ما أكره عليه 129
23 باب زيادة المكره على ما أمره به 132
24 باب الخيار في الاكراه 135
25 باب الاكراه فيما يوجب لله عليه أن يؤديه اليه 144
26 باب الاكراه في الوكالة 147
27 باب ما يسع الرجل في الاكراه وما لا يسعه 151
28 باب اللعان الذي يقضى به القاضي ثم يتبين أنه باطل 155
29 كتاب الحجر 156