على أن يقطع يده لم يسعه ان يفعل ذلك لان العبد في حكم نفسه باق على أصل الحرية على ما بينا ان ذمته لا تدخل تحت القهر والملك فكما لا يسعه الاقدام على أن يفعل شيئا من ذلك بحر لو أكره عليه فكذلك العبد بخلاف سائر الأموال (ألا ترى) أن عند ضرورة المخمصة يجوز له أن يصرف ماله إلى حاجته وليس له أن يقتل عبده ليأكل من لحمه فان فعله كان له أن يأخذ الذي أكرهه بقتله قودا بعبده إن كان مثله ويأخذ دية يده إن كان قطع يده بمنزلة ما لو باشر المكره ذلك بنفسه بناء على أصلنا أن القود يجرى بين الأحرار والمماليك في النفس ولا يجرى فيما دون النفس وإن كان الاكراه بحبس لم يكن على المكره شئ وإنما عليه الأدب بالضرب والحبس والالجاء لم يتحقق فكان فعل القتل مقصورا على المولى فلا يرجع على المكره بشئ وليس على المولى سوى الاثم لان الحق في بدل نفس العبد للمولى ولا يستوجب هو على نفسه عقوبة ولا مالا فاما الاثم فهو حق الشرع فكما يصير آثما بالاقدام على قتل الحر مكرها لأنه يؤثر روحه على روح من هو مثله في الحرمة ويطيع المخلوق في معصية الخالق وقد نهاه الشرع عن ذلك فكذلك المولى يكون آثما بهذا الطريق ولو أن قاضيا أكره رجلا بتهديد ضرب أو حبس أو قيد حتى يقر على نفسه بحد أو قصاص كان الاقرار باطلا لان الاقرار متمثل بين الصدق والكذب وإنما يكون حجة إذا ترجح جانب الصدق على جانب الكذب والتهديد بالضرب والحبس يمنع رجحان جانب الصدق على ما قال عمر رضي الله عنه ليس الرجل على نفسه بأمير إذا ضربت أو أوثقت ولم ينقل عن أحد من المتقدمين من أصحابنا رحمهم الله صحة الاقرار مع التهديد بالضرب والحبس في حق السارق وغيره الا شئ روى عن الحسن بن زياد رضي الله عنه ان بعض الأمراء بعث إليه وسأله عن ضرب السارق ليقر فقال ما لم يقطع اللحم أو يبين العظم ثم ندم على مقالته وجاء بنفسه إلى مجلس الأمير ليمنعه من ذلك فوجده قد ضربه حتى اعترف وجاء بالمال فلما رأى المال موضوعا بين يدي الأمير قال ما رأيت ظلما أشبه بالحق من هذا فان خلى سبيله بعد ما أقر مكرها ثم أخذ بعد ذلك فجئ به فأقر بما كان تهدد عليه بغير اكراه مستقل أخذ بذلك كله لان اقراره الأول كان باطلا ولما خلى سبيله فقد انتهى حكم ذلك الاخذ والتهديد فصار كأن لم يوجد أصلا حتى أخذ الآن فأقر بغير اكراه وان كأن لم يخل سبيله ولكنه قال له وهو في يده بعد ما أقر انى لا أؤاخذك باقرارك الذي أقررت به ولا أضربك ولا أحبسك ولا أعرض
(٧٠)