فان هناك يباح له التناول ولا يلزمه أن يصبر إلى أن يبلغ الضرب حدا يخاف منه التلف على نفسه لان الضرب فعل الغير به فينظر إلى ما هدده به فإذا كان يخاف منه التلف يباح الاقدام عليه باعتبار ان تمكنه من ايقاع ما هدده به يجعل كحقيقة الايقاع والجوع هنا يهيج من طبعه وليس هو فعل الغير به فإنما يعتبر القدر الموجود منه وقد قيل إنما يعتبر إذا كان يعلم أن الجوع صار بحيث يخاف منه التلف وأراد أن يتناول مكنوه من ذلك فاما إذا كان يعلم أنه لو صبر إلى تلك الحالة ثم أراد أن يتناول لم يمكنوه من ذلك فليس له أن يتناول الا إذا كان بحيث يلحقه الغوث إلى أن ينتهى حاله إلى ذلك فحينئذ لا يسعه الاقدام عليه بأدنى الجوع قال وكل شئ جاز له فيه تناول هذه المحرمات من الاكراه فكذلك يجوز عندنا الكفر بالله إذا أكره عليه وقلبه مطمئن بالايمان وهذا يجوز في العبادة فان حرمة الكفر حرمة ثابتة مضمنة لا تنكشف بحال ولكن مراده انه يجوز له اجراء كلمة الشرك على اللسان مع طمأنينة القلب بالايمان لان الالجاء قد تحقق والرخصة في اجراء كلمة الشرك ثابتة في حق الملجأ بشرط طمأنينة القلب بالايمان إلا أن هنا ان امتنع كان مثابا على ذلك لان الحرمة باقية فهو في الامتناع متمسك بالعزيمة والمتمسك بالعزيمة أفضل من المترخص بالرخصة قال وقد بلغنا عن ابن مسعود رضي الله عنه قال ما من كلام أتكلم به يدرأ عنى ضربتين بسوط غير ذي سلطان الا كنت متكلما به وإنما نضع هذا على الرخصة فيما فيه الألم الشديد وإن كان سوطين فاما أن نقول السوطان اللذان لا يخاف منهما تلف يوجبان الرخصة له في اجراء كلمة الشرك فهذا مما لا يجوز أن يظن بعبد الله رضي الله عنه وأما تصرف هذا اللفظ منه على سبيل المثل فلبيان الرخصة عند خوف التلف وقيل السوطان في حقه كان يخاف منهما التلف لضعف نفسه فقد كان بهذه الصفة على ما روى أنه صعد شجرة يوما فضحكت الصحابة رضي الله عنهم من دقة ساقية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تضحكوا فهما ثقيلان في الميزان ولو أن هؤلاء اللصوص قالوا شيئا من ذلك للرجل والرجل لا يرى أنهم يقدمون عليه لم يسعه الاقدام على المحرم لان المعتبر خوف التلف ولا يصير خائفا التلف إذا كان يعلم أنهم لا يقدمون عليه وان هددوه به وقد بينا ان ما لا طريق إلى معرفته حقيقة يعتبر فيه غالب الرأي فإن كان لا يخاف أن يقدموا عليه في أول مرة حتى يعاودوه لم ينبغ له أن يقدم على ذلك حتى يعاودوه وهذا على ما يقع القلب (ألا ترى) انك لو رأيت رجلا ينقب عليك دارك من
(٥٠)