أو لتشربن هذا الخمر أو لتأكلن هذه الميتة أو لحم هذا الخنزير ففعل شيئا من ذلك كان عندنا في سعة لان حرمة هذه الأشياء ثابتة بالشرع وهي مفسدة بحالة الاختيار فان الله تعالى استثنى حالة الضرورة من التحريم بقوله عز وجل الا ما اضطررتم إليه والكلام المقيد بالاستثناء يكون عبارة عما وراء المستثنى فظهر أن التحريم مخصوص بحالة الاختيار وقد تحققت الضرورة هنا لخوف التلف على نفسه بسبب الاكراه فالتحقت هذه الأعيان في حالة الضرورة بسائر الأطعمة والأشربة فكان في سعة من التناول منها وإن لم يفعل ذلك حتى يقتل كان آثما وعن أبي يوسف رحمه الله انه لا يكون آثما وكذلك هذا فيمن أصابته مخمصة فلم يتناول من الميتة حتى مات فعلى ظاهر الرواية يكون آثما وعلى رواية أبى يوسف لا يكون آثما فالأصل عند أبي يوسف أن الاثم ينتفى عن المضطر ولا تنكشف الحرمة بالضرورة قال الله تعالى فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا اثم عليه وقال تعالى فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لاثم فان الله غفور رحيم وهذا لان الحرمة بصفة انها ميتة أو خمر وبالضرورة لا ينعدم ذلك فإذا امتنع كان امتناعه من الحرام فلا يكون آثما فيه وجه ظاهر الرواية ان الحرمة لا تتناول حالة الضرورة لأنها مستثناة بقوله الله تعالى الا ما اضطررتم إليه فاما أن يقال يصير الكلام عبارة عما وراء المستثنى وقد كان مباحا قبل التحريم فبقي على ما كان في حالة الضرورة أو يقال الاستثناء من التحريم إباحة وإذا ثبتت الإباحة في حالة الضرورة فامتناعه من التناول حتى تلف كامتناعه من تناول الطعام الحلال حتى تلفت نفسه فيكون آثما في ذلك وصفة الخمرية توجب الحرمة لمعنى الرفق بالمتناول وهو أن يمنعه من استعمال عقله ويصده عن ذكر الله وعن الصلاة وكذلك لحم الخنزير لما في طبخ الخنزير من الانتهاب وللغذاء أثر في الخلق والرفق هنا في الإباحة عند الضرورة لان اتلاف البعض أهون من اتلاف الكل وفى الامتناع من التناول هلاك الكل فتثبت الإباحة في هذه الحالة لهذا المعنى وكذلك لو أوعد بقطع عضو أو بضرب مائة سوط أو أقل منها مما يخاف على نفسه أو عضو من أعضائه لان حرمة الأعضاء كحرمة النفس (ألا ترى) أن المضطر كما لا يباح له قتل الانسان ليأكل من لحمه لا يباح له قطع عضو من أعضائه والضرب الذي يخاف منه التلف بمنزلة القتل على ما بينا أن فتنة السوط أشد من فتنة السيف والأعضاء في هذا سواء حتى لو أوعده بقطع أصبع أو أنملة يتحقق به الالجاء فكل ذلك محرم باحترام النفس تبعا لها ولو أوعده بضرب سوط أو سوطين لم يسعه
(٤٨)