مبتلى والابتلاء يقرر الخطاب ولا شك أنه مخاطب في غير ما أكره عليه وذلك فيما أكره عليه حتى يتنوع الامر عليه فتارة يلزمه الاقدام على ما طلب منه وتارة يباح له ذلك وتارة يرخص له في ذلك وتارة يحرم عليه ذلك فذلك آية الخطاب ولذلك لا ينعدم أصل القصد والاختيار بالاكراه كيف ينعدم ذلك وإنما طلب منه أن يختار أهون الامرين عليه وزعم بعض مشايخنا رحمهم الله أن أثر الاكراه التام في الأفعال في نقل الفعل من المكره إلى المكره وهذا ليس بصحيح فإنه لا يتصور نقل الفعل الموجود من شخص إلى غيره والمسائل تشهد بخلاف هذا أيضا فان البالغ إذا أكره صبيا على القتل يجب القود على المكره وهذا الفعل في محله غير موجب للقود فلا يصير موجبا بانتقاله إلى محل آخر ولكن الأصح أن تأثير الاكراه في جعل المكره آلة للمكره فيصير الفعل منسوبا إلى المكره بهذا الطريق وجعل المكره آلة لا باعتبار أن بالاكراه ينعدم الاختيار منه أصلا ولكن لأنه يفسد اختياره به لتحقق الالجاء فالمرء مجبول على حب حياته وذا يحمله على الاقدام على ما أكره عليه فيفسد به اختياره من هذا الوجه والفاسد في معارضة الصحيح كالمعدوم فيصير الفعل منسوبا إلى المكره لوجود الاختيار الصحيح منه والمكره يصير كالآلة للمكره لانعدام اختياره حكما في معارضة الاختيار الصحيح ولهذا اقتصر على ما يصلح أن يكون آلة له فيه دون ما لا يصلح كالتصرفات قولا فإنه لا يتصور تكلم المرء بلسان غيره وتأثير الاكراه في هذه التصرفات في انعدام الرضا من المكره بحكم الشبه وشبهه بعض أصحابنا رحمهم الله بالهزل فان الهزل عدم الرضا بحكم السبب مع وجود القصد والاختيار في نفس السبب فالاكراه كذلك إلا أن الهازل غير محمول على التكلم والمكره محمول على ذلك وبذلك لا ينعدم اختياره كما بينا وشبهه بعضهم باشتراط الخيار فان شرط الخيار يعدم الرضا بحكم السبب دون نفس السبب ثم في الاكراه يعتبر معني في المكره ومعنى في المكره ومعنى فيما أكره عليه ومعنى فيما أكره به فالمعتبر في المكره تمكنه من ايقاع ما هدده به فإنه إذا لم يكن متمكنا من ذلك فاكراهه هذيان وفى المكره المعتبر أن يصير خائفا على نفسه من جهة المكره في ايقاع ما هدده به عاجلا لأنه لا يصير ملجأ محمولا طبعا الا بذلك وفيما أكره به بان يكون متلفا أو مزمنا أو متلفا عضوا أو موجبا عما ينعدم الرضا باعتباره وفيما أكره عليه أن يكون المكره ممتنعا منه قبل الاكراه اما لحقه أو لحق آدمي آخر أو لحق الشرع وبحسب اختلاف هذه الأحوال
(٣٩)