المبسوط - السرخسي - ج ١٦ - الصفحة ٨٣
ذلك الزلل لأنه عند ذلك لا يكون معتدل الحال فيكون قبله مشغولا بما هو فيه من المشي أو السير فلا يتفرغ بالنظر في الحجج ولأنه نوع من الاستخفاف وهو مأمور بان يصون قضاء عن أسباب الاستخفاف ظاهرا وباطنا ولا بأس بأن يقضى وهو متكئ لان التكاءة نوع جلسة كالتربع ونحوه وطباع الناس في الجلوس تختلف فمنهم من يكون اتكاؤه أروح له واعتدال حاله عند ذلك أظهر والأصل فيه حديث أم سلمة رضي الله عنها في الرجلين الذين اختصما بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم الحديث إلى أن قال وكان متكئا فاستوى جالسا فقد نظر في خصومتهما حين كان متكئا فعرفنا انه لا يأس بذلك وينبغي له أن يقضى بما في كتاب الله فان أتاه شئ لم يجده فيه قضى فيه بما أتاه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن لم يجده فيه نظر فيما أتاه عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضى عنهم فقضي وقد بينا هذا فيما سبق والحاصل انه إذا صح له قول عن واحد من المعروفين من الصحابة رضي الله عنهم قضى به وقدمه على القياس لقوله صلى الله عليه وسلم أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ولان فيما يبلغه عن الصحابي رضي الله عنه احتمال السماع فقد كانوا يسمعون من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يفتون به تارة ويرون أخرى وفيه أيضا احتمال ترجيح الإصابة في نفس الرأي فقد وقفوا لما لم يوقف غيرهم بعدهم فإن كانوا اختلفوا فيه تخير مدة أقاويله أحسنها في نفسه وليس له أن يخالفهم جميعا ويبتدع شيئا من رأيه لأنهم لو اجتمعوا على قول لم يجز لاحد أن يخالفهم فإذا اختلفوا على أقاويل محصورة فذلك اجماع منهم على أن الحق لا يعد مما قالوا فلا يجوز لاحد أن يخالفهم ويبتدع شيئا من رأيه ولكنه يختار أحسن الأقاويل في نفسه لأنهم لما اختلفوا ولم تجر المحاجة بينهم بالرواية فقد انقطع احتمال السماع وتعين القول بالرأي فتعارض أقاويلهم كتعارض الأقيسة وعند ذلك على القاضي أن يصير إلى الترجيح ويعمل بما ظهر الرجحان فيه فكذلك عند اختلاف الصحابة رضوان الله عليهم يصير إلى الترجيح فإن لم يبين له وجه الترجيح فله أن يعمل بأي الأقاويل شاء لان بالتعارض لا تنعدم الحجة في أقاويلهم فينبغي أن يعمل بأحسنها في نفسه ويكون ذلك عملا منه بالحجة فإن لم يجده في ما جاءه عن أحد منهم اجتهد رأيه في ذلك وقاسه بما جاء منه ثم قضي بالذي يجتمع رأيه عليه من ذلك ويرى أنه الحق لأنه مأمور بفصل القضاء والتكليف بحسب الوسع والذي في وسعه اجتهاد الرأي عند انقطاع سائر الأدلة عنه فيشغل به إذ كان من أهله كمن اشتبه عليه القبلة عند انقطاع الأدلة والأصل فيه قوله تعالى
(٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 ... » »»
الفهرست