المبسوط - السرخسي - ج ١٦ - الصفحة ٨٤
اعتبروا يا أولى الابصار والاعتبار رد الشئ إلى نظيره فالعبرة هو البيان قال الله تعالى ان كنتم للرؤيا تعبرون والبيان يرد الشئ إلى نظيره فان أشكل عليه شاور رهطا من أهل الفقه فيه وكذلك إن لم يكن من أهل الاجتهاد فعليه أن يشاور الفقهاء لأنه يحتاج إلى معرفة الحكم ليقضي به وقد عجز عن ادراكه بنفسه فليرجع إلى من يعرف ذلك كما إذا احتاج معرفة قيمة شئ فان اختلفوا فيه نظر إلى أحسن أقاويلهم وأشبهها بالحق فأخذ به كما بينا عند اختلاف الصحابة رضوان الله عليهم الا ان هنا ان رأى خلاف رأيهم فان استحسن وأشبه الحق قضى بذلك لان اجماعهم لا ينعقد بدون رأيه وهو واحد منهم ولان رأيه أقوى في حقه من رأى غيره فلو قضى برأيه كان قاضيا بما هو الصواب عنده وإذا قضى برأي غيره كان قاضيا بما عنده انه خطأ وقضاؤه بما عنده انه هو الصواب أولى وإن لم يكن من أهل اجتهاد الرأي ليختار بعض الأقاويل نظر إلى أفقههم عنده وأورعهم فقضى بفتواه فهذا اجتهاد مثله ولا يعجل بالحكم إذا لم يبين له الامر حتى يتفكر فيه ويشاور أهل الفقه لأنه مأمور بالقضاء بالحق ولا يستدرك ذلك إلا بالتأمل والمشورة وقال صلى الله عليه وسلم التأني من الله والعجلة من الشيطان والأصل في الباب حديث الشعبي رضي الله عنه قال كانت القضية ترفع إلى عمر رضي الله عنه وربما يتأمل في ذلك شهرا ويستشير أصحابه واليوم يفصل في المجلس ما به قضية وحديث ابن مسعود رضي الله عنه في المفوضة معروف فإنه ردهم شهرا ثم قال أقول فيه برأيي فان يك صوابا فمن الله ورسوله وان يك خطا فمنى ومن الشيطان الحديث فعرفنا انه ينبغي للقاضي أن يتأنى ويشاور عند اشتباه الامر وإذا قضى بقضاء ثم بدا له أن يرجع عنه فإن كان الذي قضى به خطأ لا يختلف فيه رده وأبطله يعنى إذا كان مخالفا لنص أو لاجماع فالقضاء بخلاف النص والاجماع باطل وهو جهل من القاضي وفي الحديث ردوا الجهالات إلى السنة فإن كان خطأ مما يختلف فيه أمضاه على حاله وقضي فيما يستقبل بالذي أدى إليه اجتهاده ويرى أنه أفضل لان القضاء الأول حصل في موضع الاجتهاد فنفذ ولزم على وجه لا يجوز ابطاله والأصل فيه ما روى أن عمر رضي الله عنه كان يقضى في حادثة بقضية ثم ترفع إليه تلك الحادثة فيقضي بخلافها فكان إذا قيل له في ذلك قال تلك كما قضينا وهذه كما يقضى وقال الشعبي رحمه الله حفظت من عمر رضي الله عنه في الحد سبعين قضية لا يشبه بعضها بعضا وبهذا يتبين ان الاجتهاد لا ينقص باجتهاد مثله ولكنه فيما يستقبل يقضى بما أدى إليه اجتهاده وأصله في التحري للقبلة وذكر عن شريح
(٨٤)
مفاتيح البحث: الجهل (1)، الجواز (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 ... » »»
الفهرست