وبه ينتقص حشمة مجلس القضاء فلا ينبغي أن يشتغل به وإذا تقدم إليه الخصمان فهو بالخيار ان شاء ابتدأهما فقال مالكما وان شاء تركهما حتى يبتدآه بالمنطق وبعض القضاة يختار السكوت ليكون الخصم هو الذي يبتدئ بالكلام لان القاضي إذا ابتدأهما كان ذلك منه تهيجا للخصومة وإنما جلس لفصل الخصومة لا لتهيجها ولكنا نقول الرأي في ذلك إليه فحشمة مجلس القضاء قد تمنعهما من الكلام ما لم يبتدئ القاضي بالكلام فإذا كان بهذه الصفة كان له أن يبتدئ فيقول مالكما وما تقدم إليه الا بعد المنازعة والخصومة بينهما فلا يكون هذا اللفظ منه تهيجا للخصومة ولكن لا يكلمهم بشئ آخر سوى ما تقدم لأجله فان ذلك يذهب حشمة مجلس القضاء ولهذا لا يسلمان عليه إذا تقدم بين يديه مع أن السلام سنة فان تكلم صاحب الدعوى أسكت الآخر واستمع من صاحب الدعوى حتى يفهم حجته لأنه إذا تلكما معا لا يتمكن من أن يفهم كلام كل واحد منهما قال الله تعالى ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ولان تكلمهما معا نوع شغب وبه ينتقص حشمة مجلس القضاء قال ثم يأمره بالسكوت بعد ذلك ويستنطق الاخر وظاهر هذا اللفظ يدل على أنه يستنطق الاخر وإن لم يسأل المدعى ذلك واختياره بعض القضاء انه لا يفعل ذلك إلا عند سؤال المدعى ولكنه إذا نظر في دعواه فإن لم تكن صحيحة يقول له قم فصحح دعواك لان بالدعوى الفاسدة لا يستحق الجواب وان صحت الدعوى قال أخبرتني فماذا أصنع فان قال أريد جوابه فسأله عن ذلك حينئذ يستنطق الاخر والأصح عندنا انه يستنطق الاخر وإن لم يلتمس المدعى ذلك لأنه ما تقدم بين يديه وما أحضر خصمه إلا ملتمسا لذلك فلا يحتاج بعد ذلك إلى التماس الاخر فان سأله فأقر بحقه أمره بالخروج من حقه وان أنكر قال للمدعى سمعت انكاره أو هو منكر فما نقول فإذا قال حلفه يطلب المدعى بعد أن سأله بينة ولا يسأله ذلك ما لم يطلب يمينه لأنه نوع تلقين ولا ينبغي للقاضي أن يلقن أحد الخصمين حجته ولكن إذا طلب يمينه فحينئذ جاء أوان الاستحلاف إذا لم يكن للمدعى بينة حاضرة فسأله عند ذلك أكل بينة ولا ينبغي للقاضي أن يقضي الا هو مقبل على الحجج مفرغ نفسه لذلك لان القضاء أمر مهم فلا يتمكن من النظر فيه ومباشرته لما التزم ما لم يفرغ نفسه لذلك عن سائر الاشغال فإذا دخله هم أو غضب أو نعاس كف عن ذلك حتى ذهب ذلك لان اعتدال حاله زال بما دخله فالهم يغلب على القلب حتى لا يجد شيئا آخر معه فيه مساغا والغضب كذلك والنعاس كذلك فالناس لا يفهم بعض ما يذكر عنده (ألا ترى) ان النبي صلى الله عليه
(٧٨)