المبسوط - السرخسي - ج ١٦ - الصفحة ٧٧
ما أملك فلا تؤاخذني فيما لا أملك يعنى من الميل بالقلب إلى عائشة رضي الله عنها ولا ينبغي أن يرفع صوته على أحدهما مالا يرفعه على الآخر لان التسوية بينهما في ذلك ممكنة وتخصيص أحدهما برفع الصوت عليه تجر تهمة إليه وهو مكسر القلب من يرفع صوته عليه ولا ينطلق بوجهه إلى أحدهما في شئ من المنطق مالا يفعله بالآخر لأنه يزداد به قوة وجراءة على الخصم ويطمع أن يميل بالرشوة إليه ولا ينبغي له أن يشد على عضد أحدهما ولا يلقنه حجته فان ذلك نوع من الخصومة وبين كونه قاضيا وخصما منافاة وهو مكسر لقلب الخصم وسبب لجر تهمة الميل إليه وهو انشاء الخصومة وإنما جلس لفصل الخصومة لا لانشائها وينبغي له أن لا يشترى شيئا ولا يبتع في مجلس القضاء لنفسه لأنه جلس للقضاء فلا يخلط به ما ليس من القضاء ومعاملته لنفسه في شئ ولان الانسان فيما يبيع ويشترى يماكس عادة وذلك يذهب حشمة مجلس القضاء ويضع من جاهه بين الناس وفي قوله لنفسه إشارة إلى أنه لا بأس بأن يفعل ذلك في مجلس القضاء ليتيم أو ميت مديون فان ذلك من عمل القضاء وإنما جلس لأجله ومباشرة ذلك في مجلس القضاء يكون أبعد عن التهمة منه إذا باشره في غير مجلس القضاء ولا بأس بأن يبيع ويشترى لنفسه في غير مجلس القضاء عندنا ومن العلماء رحمهم الله من كره ذلك للقاضي ويروون في ذلك حديثا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يبيع القاضي ولا يبتاع ولان العادة أن الناس يسامحون في المعاملة مع القضاء بين أيديهم خوفا منهم أو طعما فيهم فيكون من هذا الوجه في معنى من يأكل بدينه والمقصود يحصل إذا فوض ذلك إلى غيره ليباشر على وجه لا يعلم أنه يباشر ولكنا نقول نستدل بما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى سراويل بدرهمين الحديث فقد باشر رسول الله صلى الله عليه وسلم الشراء لنفسه وكان رؤساء القضاء والخلفاء الراشدون رضوان الله عليهم كانوا يباشرون ذلك بأنفسهم حتى أن أبا بكر رضي الله عنه بعد ما استخلف حمل متاعا من متاع أهله إلى السوق ليبيعه ولأنه بعد تقلد القضاء يحتاج لنفسه وعياله إلى ما كان محتاجا إليه قبل التقلد وبأن تقلد هذه الأمانة لا يمتنع عليه معنى النظر لنفسه والقيام بمصالح عياله وتهمة المساحة موهونة أو هو نادر فلا يمتنع عليه التصرف لأجله ولان ذلك إذا لم تكن مباشرة هذا التصرف من عادة القاضي في كل وقت فأما إذا كان ذلك من عادته فقلما يسامح في ذلك فوق ما يسامح به غيره وتأويل النهي ان صح في مجلس القضاء ولا يسار أحد الخصمين بشئ لان ذلك يجر إليه تهمة الميل وينكسر بسببه قلب الآخر
(٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 ... » »»
الفهرست