وقس الأمور عند ذلك فهو دليل جمهور الفقهاء رحمهم الله على أن القياس حجة فان الحوادث كلها لا توجد في الكتاب والسنة بخلاف ما يقوله أصحاب الظواهر ثم (قال) وأعمد إلى أحبها إلى الله وأشبهها بالحق فيما نرى وهذا هو طريق القياس أن ترد حكم الحادثة إلى أقرب الأشياء معنى ولكن إنما يعتبر السنة في المعنى الذي هو صالح لاثبات ذلك الحكم به ثم (قال) أجعل للمدعى أمدا ينتهى إليه فان أحضر بينة آخذ بحقه والا وجهت القضاء عليه فان ذلك أجلى للعمى وأبلغ في العذر وفيه دليل على أن القاضي عليه أن يهمل كل واحد من الخصمين بقدر ما يتمكن من إقامة الحجة فيه حتى إذا قال المدعى بينتي حاضرة أمهله ليأتي بهم فربما لم يأت بهم في المجلس الأول بناء على أن الخصم لا ينكر حقه لوضوحه فيحتاج إلى مدة ليأتي بهم وبعد ما أقام البينة إذا ادعى الخصم الدفع أمهله القاضي ليأتي بدفعه فإنه مأمور بالتسوية بينهما في عدله وليكن امهاله على وجه لا يضر بخصمه فان الاستعجال اضرار بمدعي الدفع وفي تطويل مدة امهاله اضرار بمن أثبت حقه وخير الأمور أوسطها وقوله فان أحضر بينته آخذ بحقه والا وجهت القضاء عليه إن كان مراده دعوى الدفع فهو أوضح لأنه إذا عجز عن اثبات ما ادعي من الدفع وجه القاضي إليه القضاء ببينة المدعى وما لم يظهر عجزه عن ذلك لا يوجه القضاء عليه لان الحجة إنما تقوم عليه إذا ظهر عجزه عن الدفع بالطعن والمعارضة وإن كان مراده جانب المدعي فمعنى قوله وجهت القضاء عليه ألزمته الكف عن أذى الناس والخصومة من غير حجة وقوله فان ذلك أجلى للعمى لإزالة الاشتباه وأبلغ في العذر للقاضي عند من توجه القضاء عليه لأنه إذا وجه القضاء عليه بعد ما أمهله حتى يظهر عجزه عن الدفع انصرف من مجلسه شاكرا له ساكتا وإذا لم يمهله انصرف شاكيا منه يقول مال إلى خصمي ولم يستمع حجتي ولم يمكني من اثبات الدفع عنده ثم قال والمسلمون عدول بعضهم على بعض وقد نقل هذا اللفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو دليل لأبي حنيفة رحمه الله على جواز القضاء بشهادة المستور قبل السؤال عنه إذا لم يطعن الخصم وصفة العدالة ثابتة لكل مسلم باعتبار اعتقاده فان دينه يمنعه من الاقدام على ما نعتقد الحرمة فيه فيدل على أنه صادق في شهادته فالكذب في الشهادة محرم في اعتقاد كل مسلم قال صلى الله عليه وسلم في خطبته عدلت شهادة الزور بالاشراك بالله تعالى ثم قرأ فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور ثم قال الا مجلودا حدا قيل المراد من ظهر عليه ارتكاب كبيرة بإقامة حد تلك الكبيرة عليه فالحدود مشروعة في ارتكاب الكبائر وبظهور ذلك عليه
(٦٣)