المبسوط - السرخسي - ج ١٦ - الصفحة ٦٢
وإن كان محقا فالصلح يكون على بعض الحق عادة وما زاد على ذلك إلى تمام حقه كان أخذه حلالا قبل الصلح حرم عليه ذلك بالصلح وكان حراما على الخصم منعه قبل الصلح أحل له ذلك بالصلح ولكنا نقول ليس المراد هذا ولكن المراد تحليل محرم العين أو تحريم ما هو جلال العين بان وقع الصلح على خمر أو خنزير أو في الخصومة بين الزوجات صالح احدى المرأتين على أن لا يطأ الأخرى أو صالح زوجته على أن يحرم أمته على نفسه فهذا هو الصلح الذي حرم حلالا أو أحل حراما وهذا باطل عندنا (قال) ولا يمنعك قضاء قضية بالأمس راجعت فيه نفسك وهديت لرشدك أن تراجع الحق فان الحق قديم ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل وفيه دليل أن إذا تبين للقاضي الخطأ في قضائه بأن خالف قضاؤه النص أو الاجماع فعليه أن ينقضه ولا ينبغي أن يمنعه الاستحياء من الناس من ذلك فان مراقبة الله تعالى في ذلك خير له والى ذلك أشار عمر رضي الله عنه حين ابتلى بالحديث في الصلاة الحديث إلى أن قال كدت ان أمضى في صلاتي استحياء منكم ثم قلت لان أراقب الله تعالى خير من أن أراقبكم فمن ابتلى بشئ من ذلك فليراقب الله تعالى وهذا ليس في القاضي خاصة بل هو في كل من يبين لغيره شيئا من أمور الدين الواعظ والمفتى والقاضي في ذلك سواء إذا تبين له أنه زال فليظهر رجوعه عن ذلك فزلة العالم سبب لفتنة الناس كما قيل إن زل العالم زل بزلته العالم ولكن هذا في حق القاضي أوجب لان القضاء ملزم وقوله الحق قديم يعنى هو الأصل المطلوب ولأنه لا تنكتم زلة من زل بل يظهر لا محالة فإذا كان هو الذي يظهر على نفسه كان أحسن حالا عند العقلاء من أن تظهر ذلك عليه مع اصراره على الباطل ثم (قال) الفهم مما يتلجلج في صدرك وقد بينا تفسير هذه اللفظ وفي تكراره مرة بعد مرة بيان انه ينبغي للقاضي أن يصرف العناية إلى ذلك خصوصا إذا تمكن الاستيفاء في قلبه فإنه عند ذلك مأمور بالتثبت ممنوع عن المجازفة خصوصا فيما لا نص فيه من الحوادث واليه أشار في قوله ما لم يبلغك في القرآن والحديث وفيه بيان أنه لا ينبغي للمرء أن يتقلد القضاء مختارا الا إذا كان مجتهدا وأقرب ما قيل في حق المجتهد أن يكون قد حوى علم الكتاب ووجوه معاينه وعلم السنة بطرقها ومتونها ووجوه معانيها وأن يكون مصيبا في القياس عالما بعرف الناس ومع هذا قد ابتلى بحادثة لا يجد لها في الكتاب والسنة ذكرا فالنصوص معدودة والحوادث ممدودة فعند ذلك لا يجد بدا من التأمل وطريق تأمله ما أشار إليه في الحديث فقال اعرف الأمثال والاشتباه
(٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 ... » »»
الفهرست