جل جلاله انى جاعل في الأرض خليفة وأثبت ذلك لداود عليه السلام فقال عز وجل يا داود انا جعلناك خليفة في الأرض وبه أمر كل نبي مرسل حتى خاتم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قال الله تعالى انا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون وقال الله تعالى وان احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم) وهذا لان في القضاء بالحق إظهار العدل وبالعدل قامت السماوات والأرض ورفع الظلم وهو ما يدعو إليه عقل كل عاقل وانصاف المظلوم من الظالم واتصال الحق إلى المستحق وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر ولأجله بعث الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم وبه اشتغل الخلفاء الراشدون رضوان الله عليهم وقد دل على جميع ما قلنا الحديث الذي بدأ به محمد رحمه الله الكتاب ورواه عن أبي بكر الهذلي عن أبي المليح عن أسامة الهذلي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أما بعد فان القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة وما كتب عمر إلى أبي موسى رضي الله عنه ما عند الناس يسمونه كتاب سياسة القضاء وتدبير الحكم وقوله أما بعد أي بعد الثناء على الله تعالى والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم وهذه الكلمة علامة بها يعرف تحول الكاتب إلى بيان مقصوده من الكتاب وعد من فصل الخطاب قيل في تأويل قوله تعالى وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب الحكمة النبوة وفصل الخطاب أما بعد وقال قتادة الحكمة الفقه وفصل الخطاب البينة على المدعي واليمين على من أنكر وقوله فان القضاء فريضة محكمة أي مقطوع بها ليس فيها احتمال نسخ ولا تخصيص ولا تأويل فتفسير الحكم هذا بيانه في قوله تعالى آيات محكمات هن أم الكتاب ومنه يقال بناء محكم والفرض هو التقدير والقطع قال الله تعالى سورة أنزلناه وفرضناها وقوله سنة متبعة أي طريقة مسلوكة في الدين يجب اتباعها على كل حال فالسنة في اللغة الطريقة وما يكون متبعا منها فأخذها هدى وتركها ضلالة (قال) فأفهم إذا أدلى إليك الخصمان والادلاء رفع الخصومة إلى الحاكم والفهم إصابة الحق فمعناه عليك ببذل المجهول في إصابة الحق إذا أدلي إليك وقيل معناه اسمع كلام كل واحد من الخصمين وافهم مراده وبهذا يؤمر كل قاضي لأنه لا يتمكن من تمييز الحق من المبطل الا بذلك وربما يجرى على لسان أحد الخصمين ما يكون فيه اقرار بالحق لخصمه فإذا فهم القاضي ذلك أنفذه وإذا لم يفهم ضاع واليه أشار في قوله فإنه لا ينفع تكلم بحق ولا نفاذ له وقيل المراد استمع إلى كلام الشهود وأفهم مرادهم فإنهم يتكلمون بالحق بين يديك وإنما يظهر منفعة ذلك لتنفيذ القاضي
(٦٠)