المبسوط - السرخسي - ج ١٦ - الصفحة ٢٩
فسطاطا من الكوفة إلى مكة ذاهبا وجائيا فقال أحدهما انى أريد ان آتى بالبصرة وقال الآخر انى أريد أن أرجع إلى الكوفة وأراد كل واحد منهما يأخذ الفسطاط من صاحبه فالمسألة على ثلاثة أوجه اما أن يدفع الكوفي إلى البصري أو البصري إلي الكوفي أو يختصما فيه إلى القاضي بمكة فاما إذا دفعه الكوفي إلى البصري فذهب به إلى البصرة واستعمله فلرب الفسطاط أن يضمن البصري قيمته ان هلك لأنه غاصب مستعمل في غير الموضع الذي أذن له صاحبه فيه وكذلك إن لم ينصبه فهو بالامساك في غير الموضع الذي أذن له صاحبه فيه يكون ضامنا قيمته ان هلك وعليهما حصة الذهاب من الاجر ولا أجر على واحد منهما في الرجوع أما البصري فلانه ما رجع من الكوفة وقد تقرر عليه ضمان القيمة وأما الكوفي فلانه لا يكون متمكنا من استيفاء المعقود عليه في الرجوع حين ذهب البصري بالفسطاط وان أراد صاحبه أن يضمن الكوفي فان أقر أنه أمره أن يذهب به إلى البصرة كان له أن يضمنه نصف قيمته لان النصف كان أمانة في يده وقد تعدى بالتسليم إلى صاحبه ليمسكه على خلاف ما رضى به صاحبه فكان له أن يضمنه ويضمن البصري نصف قيمته وان قال الكوفي لم آمره أن يذهب به إلى البصرة ولكني دفعته إليه ليمسكه حتى يرتحل فلا ضمان عليه لان الفسطاط مما لا يحتمل القسمة فلكل واحد من المستأجرين أن يتركه في يد صاحبه ولا يكون تسليمه إلى صاحبه ليمسكه في الموضع الذي تناول الاذن موجع الضمان عليه والقول قوله في ذلك مع يمينه لأنه ينكر سبب وجوب الضمان عليه وصاحب الفسطاط يدعي ذلك عليه وان دفعه البصري إلى الكوفي فرجع به إلى الكوفة فالكراء عليهما جميعا على البصري نصفه وعلى الكوفي نصفه لان الكوفي استوفي المعقود عليه في الرجوع في نصيب نفسه باعتبار ملكه وفي نصيب البصري بتسليطه إياه على ذلك وذلك ينزل منزلة استيفائه بنفسه فيجب الكراء عليهما ولا ضمان على واحد منهما ان هلك قيل هذا قول محمد رحمه الله فأما عند أبي يوسف رحمه الله ينبغي أن يكون البصري ضامنا ولا كراء عليه في الرجوع كما لو دفعه إلى أجنبي آخر وقد بيناه والأصح أنه قولهم جميعا لان صاحب الفسطاط هنا قد رضي برأي كل واحد منهما في النصب واختيار الموضع لذلك بخلاف الأجنبي فصاحب الفسطاط هناك لم يرض برأيه في اختيار موضع النصب وان غصبه الكوفي فعلى الكوفي حصته من الاجر ذاهبا وجائيا لأنه استوفى المعقود عليه وعلى البصري أجره ذاهبا وليس عليه أجر في الرجوع لان نصيبه كان في يد الغاصب ولم يكن هو متمكنا من استيفاء المعقود عليه
(٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 ... » »»
الفهرست