المبسوط - السرخسي - ج ١٦ - الصفحة ١٥٨
تقضى عليهم بالدية حتى تقوم البينة على حريته وهذا لان ثبوت الحرية لكل أحد باعتبار الظاهر إما لان الدار دار حرية أو لان الأصل في الناس الحرية فإنهم أولاد آدم وحواء عليهما السلام وقد كان حرين الا ان الظاهر يدفع به الاستحقاق ولكن لا يثبت به الاستحقاق لان الاستحقاق لا يثبت الا بدليل موجب له ويقال ما عرف ثبوته ليس بدليل منفى بل لعدم الدليل المزيل والدليل عليه ان ظاهر اليد يدفع به استحقاق المدعى ولا يستحق به حتى إذا كانت في يده جارية ولها ولد في يد غيره لا يستحق ولدها باعتبار يده فيها إذا عرفنا هذا فنقول في الشهادة اثبات الاستحقاق على المشهود عليه بقول الشاهد الظاهر ولا يكفي لذلك وكذلك في القذف إلزام الحد على القاذف في القصاص وايجاب العقوبة على القاطع وفي العقل ايجاب الدية على العاقلة وذلك لا يكون الا باعتبار الحرية فما لم تثبت الحرية بالحجة لا يجوز القضاء بشئ من ذلك فان قال الشهود نحن أحرار لم نملك قط لم يقبل قولهما حتى يأتيا بالبينة على ذلك وإنما أراد به انه لا تقبل شهادتهما فأما في قولهما انا أحرار لم نملك مصدقان في حقهما بطريق الظاهر ولكن لا نقضي بشهادتهما حتى يقيم البينة على حريتهما وان سأل القاضي عنهما فأخبر انهما حران فقبل ذلك وأجاز شهادتهما كان حسنا لان حريتهما من الأسباب التي يعمل شهادتهما الا بها بمنزلة العدالة فكما أن العدالة تصير معلومة عند القاضي بهذا الطريق فكذلك الحرية قال والباب الأول أحب إلى وأحسن يعنى الاثبات بالبينة لان الأهلية للشهادة لا تثبت بدون الحرية وتثبت بدون العدالة ولان الحرية والرق من حقوق العباد تجرى فيهما الخصومة وطريق الاثبات في مثله البينة فأما العدالة لا تجرى فيها الخصومة فيمكن معرفتها بالسؤال عن حاله والحاصل ان الحرية في هذه الحالة أخذت شبهين من أصلين من العدالة لأنها من أسباب قبول الشهادة ومن الملك لأنها لا تجرى فيها الخصومة وفيها حق العباد فيوفر حظه عليهما فلشبهها بالعدالة تصير معلومة بالسؤال ولشبهها بالملك تصير معلومة بالبينة وهذا الوجه أقوى وأحسن لان الحرية تصير مقضيا بها ولو قالا قد كنا عبدين فأعتقنا المولى لم نصدقهما الا ببينة لان الملك يثبت للمولى عليهما باقرارهما وإزالة الملك الثابت لا يكون الا بحجة البينة فان جاء بالبينة على ذلك قبلت ذلك وأعتقهما وإن كان المولى غائبا لان المشهود عليه انتصب خصما عن المولى فإنه لا يتمكن من دفع المشهود به عن نفسه الا بإنكار حريتهما والأصل ان حق الحاضر متى كان متصلا بحق الغائب فان الحاضر ينتصب خصما عن الغائب ومتى
(١٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 ... » »»
الفهرست